من القيم الإنسانية الاجتماعية التي دعا إليها الإسلام: الإخاء -والأخوة- ومعناه: أن يعيش الناس في المجتمع متحابين مترابطين متناصرين، يجمعهم شعور أبناء الأسرة الواحدة، التي يحب بعضها بعضاً، ويشد بعضها أزر بعض، يحس كل منها أن قوة أخيه قوة له، وأن ضعفه ضعف له، وأنه قليل بنفسه كثير بإخوانه.
ولأهمية هذه القيمة في بناء المجتمع المسلم سنفصل فيها بعض التفصيل. والقرآن يجعل الإخاء في المجتمع المؤمن صنو الإيمان، ولا ينفصل عنه، يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10) . ويجعل القرآن الأخوة نعمة من أعظم النعم، فيقول: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}(آل عمران:103) .
ويقول في سورة أخرى ممتناً على رسوله الكريم: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ. وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(الأنفال:62-63)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “المسلم أخو السلم، لا يظلمه ولا يسلمه.. لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تناجشوا… وكونوا عباد الله إخوانا”.
وقد ذكرنا من قبل ما روى الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول دبر كل صلاة: “اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أنك الله وحدك لا شريك لك. اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك. اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة”.
فجعل إقرار مبدأ «الأخوة» بعد الشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولمحمد بالعبودية والرسالة. وقوله: «إن العباد كلهم إخوة» يحتمل معنيين كلاهما صحيح: الأول: أن العباد هنا هم البشر كافة، فهم أخوة بعضهم لبعض، بحكم البنوة لأدم، والعبودية له سبحانه.
وهذه أخوة إنسانية عامة. وقد وصف الله تعالى عدداُ من الرسل في القرآن بأنهم إخوة لأقوامهم رغم كفرهم برسالتهم، لاشتراكهم معهم في الجنس والأصل، كما في قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} (الأعراف:65)، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} (الأعراف:73)، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} (الأعراف:85) .
الثاني: أن العباد هنا هم المسلمون خاصة، بحكم اشتراكهم في أمة واحدة، تضمهم عقيدة واحدة هي التوحيد، وقبلة واحدة هي الكعبة البيت الحرام، وكتاب واحد هو القرآن، ورسول واحد هو محمد عليه الصلاة والسلام، ومنهج واحد، هو شريعة الإسلام.
وهذه أخوة دينية خاصة، لا تنافى الأولى، إذ لا تنافى بين الخاص والعام. كل ما في الأمر أن لهذه الأخوة حقوقاً أكثر، بمقتضى وحدة العقيدة والشريعة، والفكر والسلوك.
- د. يوسف القرضاوي يكتب: التوازن بين الفردية والجماعية - الجمعة _24 _فبراير _2023AH 24-2-2023AD
- د. يوسف القرضاوي يكتب: ضرورة النظرة المستقبلية في عصرنا - السبت _30 _يوليو _2022AH 30-7-2022AD
- يوسف القرضاوي يكتب: يأسرني في «الشيخ العودة» حماسه - الأحد _6 _مارس _2022AH 6-3-2022AD