السؤال:
أنا أسكن في أوروبا ولدينا مناسبة الكريسماس، ويمر بي نصراني فيقوم بتهنئتي ويقول لي: ميري كريستماس «Merry Christmas»، فهل أستطيع الرد عليه التهنئة
الجواب:
كثُر الحديث حول هذه المسألة، بل اشتد النزاع والتنازع حولها، وهذه المسألة شائكة وتتعلق بقضايا تاريخية ولغوية وعقدية واجتماعية،
لا يتسع المقام لتفصيلها، ولكن يمكن إجمال الرأي في حكمها الشرعي في نقاط مختصرة .
أولا:
هذه العبارة من حيث اللغة والمعنى هي عبارة عن جملة قصيرة مركبة من كلمتين «Merry» وهي تعني البهجة والسعادة، و«Christmas»
وهي لفظ مزدوج مشتق من الثقافة اليونانية بمعنى ميلاد المسيح .
فيكون معنى الكلمة والتحية هي : ميلاد مسيح سعيد مليء بالبهجة والسرور.
ثانيا:
يختلف النصارى في ميلاد المسيح ابن مريم عليه السلام، وبعد نزاع وحوار اتفقت كلمة الكنائس الكبرى على أنه يوم 24 ديسمبر،
ولهذا فإن هذا اليوم يعتبر عيدا دينيا عندهم ، ويتبادلون فيه التهاني والهدايا ، وابتدعوا فيه كثيرا من الطقوس والرموز المعبرة عن هذه الفرحة.
ثالثا:
نحن المسلمين ليس لنا أعياد «دينية» إلا الفطر والأضحى، ولا يجوز اختراع وتسمية أي عيد ديني لأن ذلك من البدع المحرمة وكبائر الإثم،
ولكن يجوز تحديد بعض الأيام الوطنية والاجتماعية كمناسبات للاحتفال الاجتماعي أو السياسي ما لم يعتبره المسلم قربة لله وعيدا دينيا
رابعا:
علاقة المسلم بأعياد اليهود والنصارى وغيرهم ، لها مجالان أساسيان
الأول: مشاركتهم دينيا الاحتفال بالعيد نفسه، وإظهار تعظيمه واتخاذه عيدا ويوما يتكرر بالفرح والسرور والتشبه ببعض عادتهم فيه،
فهذا من الكبائر المحرمات باتفاق العلماء قديما وحديثا إن جهل الحكم أو تأول له،
وهو سبب من أسباب الردة أن قصد تعظيم عقائدهم مع العلم .
الثاني: تهنئتهم على سبيل المجاملة والمسايرة ورد التحية وبرهم والإحسان إليهم،
فهذا مما اختلف فيه المعاصرون بخاصة بعد تمازج الشعوب والديانات في جغرافيا واحدة
خامساً:
الذي أراه باختصار هو جواز ذلك لعدة اعتبارات :
1- الأصل الكلي العام في علاقة المسلم بغير المحارب من الكافرين هو حسن المعاملة والبر والإحسان والتلطف،
لقوله تعالى :
{لا يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ} -آية 8سورة الممتحنة-،
كما أن الأصل في من وجّهَ إلينا تحيةً وتهنئةً هو مبادلته بأحسن منها
لقوله تعالى {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}
(آية 86 سورة النساء).
2- أن التهنئة إذا كانت ردا للتحية والسلام، فهي ليست مبادرة وتأسيسا وابتداء،
وعندما يقوم بها المسلم إنما يقوم بها (بحسب الدلالة اللغوية والعرفية) على وجه المجاملة والملاطفة والإحسان لا على وجه الرضا بتعظيم عقيدتهم والمعايدة الدينية لهم .
3- أن التهنئة هي في العيد وليست به، أي أن نية المسلم وقصده هو رد التهنئة التي وافقت ذاك اليوم، وليس تخصيص اليوم بالتهنئة باعتباره عيدا
4- إن كثيرا من النصارى اليوم لا يبالون بحقائق الدين عندهم حتى لو كان محرفا،
بل يعتبرون هذه الأعياد مناسبة اجتماعية وترفيهية للقاء الأسر والطعام وتبادل الهدايا أكثر من كونها قربة لربهم.
5- لا أرى ربط المجاملة ورد التهنئة بالإقرار بعقيدة النصارى المحرفة في المسيح عليه السلام،
فمن تزوج نصرانية وعبر عن الود لها لا يلزم من ذلك تعظيم ما تعتقده زوجته،
فهي مسألة منفكة الجهة، ولهذا أجاز بعض الفقهاء أكل المسلم من الذبيحة التي أراد بها المشرك غير وجه الله إذا طلب منه صاحب القربان القيام بالذبح شريطة أن يسمى المسلم عليها،
قال ابن قدامة رحمه الله:
فصل: فأما ما ذبحوه لكنائسهم وأعيادهم، فننظر فيه: فإن ذبحه لهم مسلم، فهو مباح.
وقال أحمد وسفيان الثوري في المجوسي يذبح لألهه ويدفع الشاة إلى المسلم يذبحها فيسمى: «يجوز الأكل منها» المغني لابن قدامة ج7/ ص 641،
فانظر أثر النية والقصد في المشاركة في الذبح، مع أنه قربان لمشرك، والذبح لغير الله مفسد للاعتقاد وأشد جرما من الاحتفال.
6- لو كان هذا اليوم حقا هو ميلاد المسيح عليه السلام لكنا أحق الناس بالسعادة في هذه اليوم وتخليده
لأن عقيدتنا لا تصح إلا بالإيمان بالمسيح عليه السلام وتعظيمه وتوقيره وحبه، وميلاده هو يوم من أيام الله التي يندب التذكير بها،
قال تعالى {وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍۢ} -آية 5 سورة إبراهيم– .
أخيرا
فإن المسلمين في الغرب يعيشون كأقليات في كنف دولٍ نصرانية الأصل ويجاورونهم، ويخالطونهم،.
وكثير من هذه الدول ذللت الصعاب، ووطأت الأكناف وقدمت كل عون وتقدير وكرامة للمسلمين بعد اضطهادهم في بلدانهم،
بل قدمت المساعدات المادية والصحية وفرص التعليم،
وهذه الشعوب تستغرب جدا من أن يرفض المسلم مجاملتهم بخاصة وأنهم يباركون لنا أعيادنا ويفرح بعضهم لفرحنا،
فليس أقل من حسن الجوار ومكافأة الإحسان بالإحسان
والله تعالى أعلم وعلمه أحكم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم .
- د. ونيس المبروك يكتب: حول الخوف من الشريعة والتحفظ على البسملة! - الأربعاء _24 _أغسطس _2022AH 24-8-2022AD
- د. ونيس المبروك يكتب: «السلفية» فخرٌ وانتماء.. أم جدلٌ وادعاء؟ - الأربعاء _27 _يوليو _2022AH 27-7-2022AD
- د. ونيس المبروك يكتب: الأزمة في ليبيا لها أسباب! - الجمعة _8 _يوليو _2022AH 8-7-2022AD