د. وليد عبد الحي يكتب: عملية القدس بين الدلالة الآنية والمستقبلية

إذا سلمنا بالأرقام المنشورة من الجهات الصهيونية فان الفترة بين أول يناير 2022 وأواخر يناير الحالي شهدت 417 عملية عسكرية مقاومة في فلسطين وأسفرت عن مقتل حوالي 40 صهيونيًا كان ربعهم قد قتلوا في شهر مارس من العام الماضي، وتوزعت هذه العمليات التي قُتل فيها صهاينة  على ستة شهور؛

على النحو التالي:

شهر 3 / 2022  وقع فيه 3 عمليات

شهْر 4 عملية واحدة

شهر 5 عملية واحدة

شهْر 9 عملية واحدة

شهر 10 وقع فيه 3 عمليات

شهْر 11 وقع فيه عمليتان

أما باقي العمليات (406 عمليات)

وقع في بعضها جرحى صهاينة أو لم تقع خسائر واقتصرت على تبادل إطلاق النار أو إطلاق النار من طرف فلسطيني.

وفي عام 2023 (شهر يناير الحالي) شكلت عملية القدس العملية الأكثر وجعا للاحتلال، ويرى فيها أغلب المحللين الصهاينة بأنها نُذر خطر قد يتصاعد، وقد يساهم في تعميق الخلافات داخل الحكومة الصهيونية لا سيما أن عمليات المقاومة الأخرى بخاصة المواجهات غير المسلحة مع الجيش الصهيوني والمستوطنين تتصاعد بوتيرة واضحة.

بالمقابل، فان هذا المشهد يستوجب الوقوف أمام بعض المؤشرات:

أ‌- إذا قارنا عدد العمليات المسجلة التي تبنتها تنظيمات فلسطينية سنجد أنها  لم تتجاوز من مجموع الـ417 عملية  نسبة 0,8%، بينما شكلت العمليات الفردية التطوعية أكثر من 99% من هذه العمليات، وهو أمر يستحق المناقشة،

فهل هذا المعطى هو:

1- دليل على قصور تنظيمات المقاومة وأنها تقتات على العمليات التطوعية وتستثمرها في الظهور الإعلامي لتأكيد الحضور الميداني.

2- أم أن الأمر تكتيك عملياتي جديد تنبته التنظيمات، وأن هؤلاء المقاومين هم مرتبطون فعليا بتنظيمات لا تعلن تبني هذه العمليات لضرورات أمنية، ولا تريد التنظيمات تقديم معلومات مجانية لسببين هما أما حجب المعلومات عن الأمن الصهيوني لكي لا يتكئ على الخلفية التنظيمية للمقاوم ويتتبع أصدقاءه وكل من له صلة فيه أو يستثمر ما لديه من معلومات في الربط بين وقائع معينة والهجوم الذي نفذه هذا الفرد، أو وهو الفرض الثاني أن التنظيمات لا تريد لأجهزة  سلطة التنسيق الأمني أن تحصل على معلومات وتصطدم مع كل من له علاقة بالتنظيم الذي يعلن ارتباط الفرد به، لا سيما أن أجهزة التنسيق الأمني  ترصد التنظيمات أكثر من رصدها للأفراد غير المعروفة ميولهم.

ب‌- يلاحظ أن عدد العمليات الفعلية التي  تبناها  تنظيم «عرين الأسود»  الذي تم الإعلان عنه في أيلول  الماضي هو حوالي 47 عملية أغلبها تركز في نابلس وحولها، لكن حجم الخسائر الصهيونية البشرية في هذه العمليات لم يتجاوز قتيلين، ومع أن هذا التنظيم هو تنظيم هجين من عناصر تنتمي لعدة تنظيمات منها كتائب الأقصى، إلا أن التركيز الإعلامي على هذا التنظيم لا يتناسب مع مدى فعاليته، إلا إذا كان هو من يقف وراء العمليات «الفردية» ولكنه لا يعلن للأسباب الأمنية بخاصة أن هذا التنظيم تلقى ضربات قاسية نالت من اغلب قياداته.

جانب آخر لا بد من الوقوف عنده في هذا الجانب،

وهو إعلان سلطة أوسلو عن وقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، والوقف غير الإلغاء، ولدي قائمة بقرارات من أجهزة السلطة الفلسطينية وقياداتها بلغت  الآن 63  إعلانا عن وقف التنسيق الأمني، وما لم تقم السلطة  بحل جهاز التنسيق الأمني وعزل كافة ضباط التنسيق وبخاصة ضباط الارتباط  مع الكيان الصهيوني من أي خدمة مدنية أو عسكرية، فان كل ما تعلنه السلطة هو دجل وتضليل وبتوجيهات من سلطات الاحتلال لمساعدة السلطة على بعض الاستعادة لشعبيتها المتهالكة مع استمرار التنسيق  الأمني.

جانب ثالث في الموضوع،

وهو إصدار الخليفة العثماني بيان إدانة لعملية القدس، وهو أمر يؤكد  ما كتبته سابقا عن أن بين الكيان الصهيوني وتركيا 12 اتفاقية أمنية، وهو ما يجب على المقاومة أخذه في الاعتبار ، هو يعمل لمصلحة تركيا ولكنه يعمل لغير مصلحة العرب وقضاياهم، وهو ما يستدعي من جميع تنظيمات الإخوان المسلمين أن «يكشفوا غطاءهم له»، وان لا يتبنوا ازدواجية المعايير.. أما الأنظمة العربية فهم ثلاثة أقسام:

عرب أدانوا العملية جهارا نهارا (رواد نادي الإبراهيمية) وعرب لا يجرؤون على تأييد  العملية ولا يدينونها  وهم الأغلبية، أما المؤيدون فهم  أطراف محور المقاومة لا غير.

لقد قلت قبل فترة وعند تشكيل نيتنياهو لحكومته الحالية انه يشعر بضغوط متباينة دوليا وإقليميا من ناحية وضغوط من مكونات حكومته  المتطرفة من ناحية ثانية، وقد يمتص هذه الوضعية بتأزيم الوضع إما مع غزة والضفة  أو سوريا ولبنان أو مع إيران.. وان غدا لناظره قريب.

بيان الخارجية الأردنية وعمليات المقاومة في القدس

استمعت لبيان وزارة خارجيتنا حول عمليات القدس الأولى والثانية، وتوقفت عند بيان وزارة الخارجية الأردنية متسلحا بكل ما أوتيت من رزانة أكاديمية أعتد بها من ناحية  وبكل الاحترام لمتطلبات الخلاف في الرأي من ناحية أخرى، وتمعنت في فقرات البيان

وتبلورت الأفكار خلال قراءتي على النحو التالي:

أولا: يقول البيان أنه «يدين الهجوم الذي استهدف مدنيين في القدس الشرقية»:

وهنا لا بد من التساؤل هل المستوطن في القدس الشرقية هو مدني أم محتل؟ ولمن تَتْبع القدس الشرقية في عرف الدبلوماسية الأردنية واتفاقياتها الدولية؟

وهل يمكن المساواة بين قتل من يسكن بيته الذي بناه بعرقه وورثه عن أجداده وبين من سلب البيت وقتل صاحبه؟ إن البيان ينطوي على انفصام في وعي ملابسات الموقف.

ثانيا: الأردن يدين العنف ضد المدنيين بكافة أشكاله:

وهنا ليت ناطقنا المبجل يشرح لنا أشكال العنف ضد المدنيين، وبعد أن يعددها يضعها في موازين العقل والحساب الرياضي  ليقارن بين إلقاء حجر على سيارة مدرعة لا يخرقها الرصاص تطوف أرضا ليست لها وتقتلع أشجارا ذوى فلاحها حتى نضجت ، وهل رفع علم من فلسطيني يتساوى مع طرد سفيرك من باحة أقصاه؟ أو هل يتساوى مدني تظاهر هنا وهناك مع ما ورد في تقرير طبي علمي من متخصص في مشاكل العقم بين النساء والرجال يقول فيه حرفيا

«إن نسبة العقم ازدادت في السنوات الأخيرة بـ30% في الضفة الغربية, وتشمل هذه النسبة عددا كبيرا من المعتقلين الفلسطينيين الذين قضوا سنوات في سجون الاحتلال الصهيوني»..

ثالثا: تكاتف الجهود لإعادة الثقة بجدوى العملية السلمية

من خلال استئناف مفاوضات جادة وفاعلة لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين لينعم الجميع بالأمن والسلام.

وهنا أود أن اطرح على خارجيتنا سؤالا محددا:  لقد تم توقيع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني في 26/ 10/ 1994، أي قبل 28 سنة وثلاثة شهور تقريبا، وأنا أتحدى خارجيتنا أن تدلني على نتيجة ايجابية واحدة لهذه المعاهدة…فهي معاهدة عقيمة، أن أطول حمل في عالم الحيوان هو للفيل الإفريقي حيث يحتاج إلى 645 يوما للولادة..بينما معاهدتنا مع الكيان الصهيوني مضى عليها  عشرة آلاف و310 أيام  ولم تنجب شيئا،  بينما أنجب فيها الفيل الأطول حملا  حوالي 16 فيلا.، ولو حسبناها بأعمار الفئران لأنجبت 490 فارا..

ولو حسبنا تكاليف الحروب مع الكيان الصهيوني،

فقد ارتفع إنفاقنا العسكري منذ المعاهدة سواء احتسبناها على أساس النسبة من إجمالي الناتج المحلي (من 4.5%) إلى أكثر من (5%) نهاية 2022، وبالأرقام، ارتفع الإنفاق حوالي 6.5 ضعفا (من 300 مليون إلى 2.177 مليار)، ولا داعي لفتح ملف استقرارنا السياسي في أي مقياس دولي تختاره الوزارة الموقرة منذ 1994 إلى الآن.

وإذا نظرنا لها من حيث البعد السياسي فقد تصرف الصهاينة كما لو أن الوصاية الهاشمية هي مجرد نص غير ملزم، وقالها بن غفير جهارا نهارا.

نعم أنا مع المقاومة بكل أشكالها، وهؤلاء ليسوا مدنيين طالما أنهم في مسجدي وكنيستي  وفي بيتي وطريقي وتحت زيتونتي ويسجنون أهلي بل ويحقنونهم بعقاقير العقم في السجون، وهم أصحاب أعلى مستوى إدانة في قرارات الهيئات الدولية، وتأتي وزارتنا لتساوي بين من حجم سجل سوابقه ضاقت عليه الأرفف وبين الأعزل الذي لم يعد قادرا على الصبر حتى لو كان من نسل أيوب.

أخيرا ، ليس لدي ما أقوله سوى ترديد ما قالته أم كلثوم في ثورة الشك:

وما أنا بالمصدق فيك قولا… ولكني شقيت بحسن ظني..