قد يكون 14 مايو القادم يوما مفصليا في الحياة السياسية لأردوغان، ففي هذا التاريخ ستتم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في ظروف داخلية وإقليمية ودولية مربكة ومعقدة للغاية لصناع القرار التركي،
وتتمثل هذه التحديات للرئيس اردوغان في الآتي:
1- توافق قوى المعارضة كلها تقريبا على مرشح واحد، مما يمنح هذا المرشح فرصة أكبر للنجاح، وهو كمال كليجدار أوغلو.
2- تنامي النزعة التصويتية لدى الأكراد والتي تصل إلى 10% من مجموع الأصوات، ورغم عدم انضمامهم لتحالف المعارضة إلا أن النسبة العالية منهم تميل لمساندة مرشح المعارضة نظرا لما يعتبرونه تشنجا في مواقف اردوغان تجاههم، وهو ما يسانده شرائح صغيرة من الأقليات في تركيا.
3- لم تعد مؤشرات اقتصادية هامة في الاقتصاد التركي تسير لصالح اردوغان، بخاصة أن معدل النمو الاقتصادي منذ عام 2021 يتأرجح متجها نحو السالب بشكل خطي تقريبا،
كما أن التضخم تصاعد منذ منتصف 2021 تقريبا مع تراجع خطي ومتسارع في قيمة الليرة التركية لتفقد أكثر من 20% من قيمتها التبادلية،يرافق ذلك عجزا ماليا متواصلا في الحساب الجاري.
4- ترك الزلزال الأخير آثاره على المجتمع والدولة،
وهز من شعبية أردوغان رغم الجهود المخلصة التي بذلها لمعالجة الآثار المدمرة بشريا وفي البنى التحتية،
لكن الزلزال عطل جهود تحسين الوضع الاقتصادي ولو لفترة تقتضيها عواقب الزلزال.
5- ولعل ما سبق يفسر تحسن فرص مرشح المعارضة (كمال اوغلو) في استطلاعات الرأي التي تمثل مؤشرا وإن لم يكن كافيا،
فطبقا لمؤشرات استطلاعات الرأي فقد اردوغان نحو 4% من التأييد الشعبي،
بينما حظي كمال أوغلو بزيادة تقارب 2%، ويبدو أن هناك ما بين 4-5% لم يقرروا بعد لصالح من سيصوتون.
6- أما الانتخابات البرلمانية، فيبدو في ضوء ما سبق من مؤشرات أن احتمال زيادة مقاعد المعارضة في البرلمان (600 مقعد) أقوى من احتمال فوز مرشح المعارضة،
ولعل خسارة اردوغان في الانتخابات المحلية لبعض المدن الهامة وذات الوزن مؤشر على ذلك،
فقد خسر في الانتخابات المحلية 7 مدن من بينها أنقرة واسطنبول رغم أن إجمالي التصويت كان لصالح اردوغان وبنسبة لا تقل عن 14%.
ماذا يترتب على ذلك؟
أولا: سيكون الفارق بين اردوغان وخصمه فارقا ضئيلا لصالح أي منهما، ففرصة الفوز متقاربة للغاية ما لم يحدث أمر جلل خلال الفترة القصيرة المتبقية،
وإذا وضعنا في الاعتبار تزايد نسبة الناخبين في الخارج (وهم أكثر من 3.5 مليون ناخب) أغلبهم في ألمانيا ودول أوروبا الأخرى،
وأن أغلبهم أقرب لتوجهات اردوغان، فإن ذلك قد يرجح فوزه في ظل التقارب الكبير في شعبية كل من أردوغان وكمال اوغلو.
ثانيا: من المرجح أن تزيد المعارضة وزنها في السلطة التشريعية،
لكن أهمية ذلك محدودة نظرا للنظام الرئاسي الذي نجح اردوغان في تكريسه بشكل اضعف من قوة البرلمان في صناعة القرار واتخاذه على حد سواء.
ثالثا: ثمة احتمال لا يجوز استبعاده وهو أن ينشب نزاع حول «نزاهة الانتخابات» بخاصة من قبل الطرف الخاسر،
وهو أمر قد يفتح المجال أمام مشهد اضطراب سياسي محتمل،
لكني أرى أن المعارضة التركية -حتى في ظل التشكيك في النتائج- لن تدفع الأمور بعيدا،
فقد وقفت هذه المعارضة مع اردوغان خلال انقلاب عام 2016، فهي معارضة عقلانية في سماتها العامة.
انعكاسات النتائج على الشرق الأوسط:
تتسم سياسة اردوغان بقدر من عدم الانتظام، فمن صفر مشاكل مع الجوار إلى مشاكل مع أغلب الدول العربية بخاصة خلال الربيع العربي وحول تناغمه مع توجهات الإخوان المسلمين،
ثم العودة من جديد لتصالحات مع أغلب الدول العربية بما فيها مساعيه للتقارب مع سوريا ودول الخليج ومصر.
أما المعارضة -إذا فازت- فان التذبذب في التعامل مع سياسات الدول الغربية ستكون أقل من فترة اردوغان،
وقد يواجه السعي الروسي لتسوية الأمر في سوريا بالتعاون مع إيران وتركيا تناغما أقل
رغم أن التوجه العام للمعارضة هو التحلل من أوزار التدخل في الشأن السوري
بخاصة التحلل من الارتباط بالجماعات المسلحة التي رعاها اردوغان.
ومن الواضح أن تردد الرئيس السوري في اللقاء مع اردوغان
هو من باب رد الجميل لكمال أوغلو الذي تتسم علاقته مع الأسد بقدر من الاحترام المتبادل،
ناهيك عن العلاقة الطيبة لأوغلو مع إيران (لا سيما أن حزب كمال اوغلو له قاعدة شيعية هامة).
وقد يميل مرشح المعارضة إذا فاز لسياسات استرضاء أوروبية أكثر
أملا في تحسين فرص تركيا في الدخول إلى عضوية الاتحاد الأوروبي أو على الأقل تحسين شروط انضمامها لاحقا.
وقد يكون فوز كمال اوغلو تحسينا لفرص السويد للدخول في الناتو للجلوس بجانب تركيا في قاعة هذا الحلف.
خلاصة الأمر، أن النظم الرسمية العربية ستكون أكثر رغبة بفوز كمال أوغلو رغم أنها خففت من حدة مشاكلها مع اردوغان.
من جانب آخر،
لن تجد الحركة السياسية الإسلامية الأكبر (الإخوان المسلمين) وحركات المقاومة الفلسطينية المساندة المعنوية -لا المادية- الصريحة
أو حتى الخجولة كما كان الأمر في فترة اردوغان إذا خسر،
وقد تكون قطر الأقل ترحيبا بين الدول العربية في حالة فوز كمال أوغلو بينما ستكون سوريا الأكثر ترحيبا بذلك،
ورغم تطور العلاقات التركية الإسرائيلية خلال فترة اردوغان
فان فوز المعارضة لن يغير المسار في هذا الجانب
بل سيجعله أقل في تكرار «التوترات الموسمية اللفظية» مع إسرائيل التي كنا نشاهدها في فترة اردوغان.
الخلاصة:
من العسير تماما تحديد من سيفوز؟
فإذا اعتمدنا هامش الفارق الضئيل فإن التوقع صعب للغاية،
ولن تكون مفاجأة إذا فاز أي منهما..
- د. وليد عبد الحي يكتب: كيف ننظر للمشهد التركي؟ - الأربعاء _31 _مايو _2023AH 31-5-2023AD
- د. وليد عبد الحي يكتب: فصام العقل السياسي العربي - الأحد _28 _مايو _2023AH 28-5-2023AD
- د. وليد عبد الحي يكتب: أزمة الدين الأمريكي ودلالاته - الجمعة _26 _مايو _2023AH 26-5-2023AD