- رسالة توسل لـ«محور المقاومة» - الأربعاء _20 _يناير _2021AH 20-1-2021AD
- هل الرئيس ترامب يقف بين الاغتيال أو العزل؟ - الأثنين _11 _يناير _2021AH 11-1-2021AD
- الديمقراطية ومنظومتنا التراثية المعرفية - الثلاثاء _5 _يناير _2021AH 5-1-2021AD
يبدو لي أن الأولوية الأعلى في السياسة السعودية هي لأمن النظام، وبالتالي تكييف ألأمنيين الآخرين لصالح هذا البعد، وأمن النظام يعني بقاء الأسرة الحاكمة في السلطة،
***
تتفق كل دول العالم في سياستها على ثلاث أولويات، لكنها تختلف على ترتيب هذه الأولويات من حيث الأكثر أهمية، وتتمثل هذه الأولويات في: أمن النظام السياسي، وأمن المجتمع، وأمن الدولة، ويمكن تحديد السمة المركزية في كل من هذه الأولويات الثلاث على النحو التالي:
أ- أمن النظام: ويعني البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة.
ب- أمن المجتمع: ويعني تحقيق التطور بقطاعاته المختلفة وضمان تماسك البنية المجتمعية.
ت- أمن الدولة: ويعني الحفاظ على الإقليم وعدم استقطاع أي من مكوناته الجغرافية أو موارده.
لكن الخلاف بين دول العالم هو في ترتيب الأولويات، أي ما هي الأولوية التي تعلو على غيرها وبالتالي يتم تكييف الأولويتين الأخريين لصالحها، أي أن الأولوية الأعلى تخضع لها بقية الأولويات، فمثلا تعلو أولوية أمن النظام على أمن الدولة أو المجتمع في كل الدول الديكتاتورية كالدول العربية، وتعلو أولوية أمن المجتمع على غيرها في الدول الديمقراطية، بينما يعلو أمن الدولة على غيره في الدول الملتبسة مثل إسرائيل وتايوان ..الخ.
وهنا لا بد من التنبيه لنقطة في غاية الأهمية، وهي أن الأولوية العليا لا تعني بأي شكل من الأشكال إلغاء أو التضحية بالأولويتين الأخريين، بل يتم تكييف وتبرير السياسات في الاولويتين الأخريين بكيفية تخدم الأولوية العليا، أي إخضاع الأدنى من الأولويات للأعلى منها.
أين تقع السعودية في هذه الأولويات:
يبدو لي أن الأولوية الأعلى في السياسة السعودية هي لأمن النظام، وبالتالي تكييف ألأمنيين الآخرين لصالح هذا البعد، وأمن النظام يعني بقاء الأسرة الحاكمة في السلطة، وعليه فإن أي سلوك سياسي أو أي سياسات مجتمعية أو علاقات دولية أو تحولات داخلية يجب أن تتكيف مع هذا الهدف المركزي بل وأن تخضع له..
ذلك يعني أن أية قوة ذات توجه تغييري للنظام سواء أكانت محلية أو إقليمية أو دولية ستجد نفسها في مواجهة مع السعودية ويتم إخضاع كل المتغيرات الأخرى لصالح لجم القوى التغييرية سواء أكانت هذه القوى دينية أو قومية أو يسارية أو ليبرالية، ويجب إخضاع السياسات التنموية أو شبكة العلاقات الدولية لصالح متغير “أمن النظام” أي البقاء قي السلطة، وهنا قد يقول قائل إن كل النظم تعمل على بقائها، وهذا صحيح ولكن مثلا في الدول الديمقراطية معيار اختيار الحاكم والتداول على السلطة هو بمقدار انجاز الاولويتن الأخريين وهما امن المجتمع وأمن الدولة، فالمجتمع -لا النظام- هو من يحدد من يبقى في السلطة ومن يغادرها، ومعياره في ذلك هو مدى تحقيق امن المجتمع وأمن الدولة.
وبنظرة تاريخية مقتضبة نجد أن آل سعود –كسلطة- وقفوا تاريخيا ضد أي قوى تغيير بغض النظر عن هوية أو توجهات هذه القوى، فقد وقفوا ضد كل التوجهات التي تنطوي على تغيير جيواستراتيجي في المنطقة،وهو ما يتضح في موقفهم من الهاشميين عندما تم طرح مشروع الحسين بن علي، أو في موقفهم ضد الناصرية والبعثية، وهاهم يقفون ضد الحركات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين بعد أن شعروا بتمدد هذه الحركة في أوصال الجسد العربي بخاصة أن البيئة السعودية تشكل موضع جذب لهذه الثقافة السياسية، وقد بنت السعودية علاقاتها وتحالفاتها مع القوى الداخلية أو الإقليمية أو الدولية على أساس المعادلة التالية:
ترتيب القوى الخارجية والداخلية طبقا لقوة تهديدها لأمن النظام، والعمل على تحطيم أو لجم القوة الأكثر تهديدا لأمن النظام بالتحالف مع مختلف القوى الأخرى بما فيها التي تهدد النظام السعودي بدرجة أقل، ولنلاحظ ما يلي:
1- الوقوف إلى جانب العراق (صدام حسين) ضد الثورة الإيرانية للشعور بان مكامن الخطر على النظام هي الأعلى في إيران منها في الخطر العراقي، لكنها وقفت ضد صدام حسين عندما أصبح على حدودها، بل واقتربت من إيران قليلا خلال تلك الفترة، رغم ما حملته هذه التحولات لكل من المجتمع السعودي والدولة السعودية من تكاليف.
2- الوقوف مع الإخوان المسلمين واحتضانهم ضد الناصرية لاسيما فترة الستينات من القرن الماضي، ومع انحسار المد القومي –الناصري والبعثي- وتزايد الهواجس من التهديد الاخواني للنظام، اعتبرت السعودية حليفها السابق (الإخوان) حركة إرهابية بما فيها حركة المقاومة الفلسطينية حماس.
3- شكلت الوهابية الإطار الشرعي لتبرير المكوث في السلطة، وعندما بدأت بعض التيارات الدينية التي نهلت من الثقافة الوهابية تتقارب مع تيارات دينية أخرى، شعر النظام السياسي أن هذه التيارات قد يراودها حلم السلطة كما حدث في تونس ومصر في مرحلة من مراحل ما سمي بالربيع العربي، كما أن تصدر الإخوان المسلمين لأغلب الانتخابات في الجزائر (التسعينات من القرن الماضي) والأردن ومصر وفلسطين..الخ، جعل النظام السياسي يشعر بالتهديد من هذه القوى لا سيما مع تزايد المطالب الغربية بضرورة تعديل المناهج والاتهامات للسعودية في بعض المؤسسات الغربية بدعم الإرهاب، هنا أصبحت هذه الحركات موضع تهديد -أو هكذا استشعر النظام السعودي- فبدأ بالاعتقال وصولا لأحكام بالإعدام بعضها تم بالمنشار..وهو أمر خلق ردة فعل مجتمعية، لكن النظام يعطي أولوية أمنه على أولوية أمن المجتمع..
4- تقديم الأموال للدول الغربية (تجارة وسلاح وعمولات واستثمارات وبترول..الخ) مقابل المساندة لبقاء النظام في ظل أي رياح تغييرية، فالسعودية تقبل العون لبقاء النظام لكنها لا تقبل العون لتطور المجتمع (القيم الديمقراطية والعلمانية..الخ).
5- أن موقفها من إسرائيل له صلة بمعادلة أمن النظام، فالموقف السعودي من إسرائيل مرتبط بالموقف الأمريكي، وعندما شعرت بأن الاقتراب من إسرائيل يعزز أمن النظام في ظل التحولات الإقليمية والدولية ذهبت لإسرائيل بطريقة تدرجية رغم أن المجتمع السعودي لا يرى إسرائيل إلا امتدادا ليهود بني قريظة.
6- وقفت السعودية مع الأمامية في اليمن (الزيديين الشيعة – الحوثيين) خلال ثورة السلال، لأن الإمامية كانت جزءا داعما لأمن النظام السعودي خلافا للناصرية، وبعد التغير أصبح ” الزيديون ” في المنظور السعودي عملاء ” للتشيع الإيراني” ..وأصبح الضغط على المنطقة الشرقية لا سيما في القطيف دليل على أولوية أمن النظام على امن المجتمع الذي يمكن تحقيقه من خلال تمتين الجسور بين مذاهب وتنوعات المجتمع الثقافية لا بتسعير نار التباين الذي يخدم امن النظام.
7- تُعد السعودية واحدة من أقل دول العالم في الحراك الاجتماعي والسياسي ، فهي بدون دستور ولا نقابات ولا أحزاب بل تُعد واحدة من اقل دول العالم في عدد المسيرات أو المظاهرات من قبل المجتمع، لأن النظام يرى في أي تنظيم اجتماعي أو سياسي أو حتى ثقافي تهديدا لأمنه، بل إن الدعوة الوهابية لم تعرف شكلا تنظيميا إلا من خلال جهاز هو اقرب للجهاز الأمني (هيئة الأمر بالمعروف) وهدفه أمن النظام بالشكل الذي يعزز من بقائه، وتم تفكيك هذا الجهاز في إطار استشعار المخاوف من التنظيمات الدينية.
8- السعودية ضد الشيعة (لأنها تصنفهم بأنهم ضد السنة)، ولكنها تقف حاليا ضد الأخوان المسلمين السنة، وضد تركيا السنية وقطر الوهابية وحماس السنية.. الحقيقة أن الأمر هنا مرتبط بأن ما يجمع هؤلاء هو أنهم ” قوى تغييرية” بغض النظر عن مضمون أو جدوى هذا التغيير، وهذا يكفي أن تقف السعودية ضدهم.. بل هي تحاول إقناع دول يحظى فيها الإخوان المسلمين بالشرعية لخلع الشرعية عنهم.. لماذا؟
الخلاصة: إن حركة التاريخ تشير إلى أن الدول التي تجعل أمن المجتمع هو الأولوية هي التي تمكنت من التطور والبقاء، أما الدول الملتبسة فهي أسيرة الظرف الدولي والإقليمي، أما من يجعل امن النظام هو الأعلى فهو في تضاد مع حركة التاريخ.
إن أية محاولة لتفسير السياسة السعودية بعيدا عن أولوية أمن النظام وإخضاع أمن المجتمع وامن الدولة لها لن تثري المعرفة السياسية، فهي دولة معنية بالإبقاء على النظام في كرسي السلطة من ناحية وتدير علاقاتها من ناحية أخرى على أساس ما يخدم هذا الهدف المركزي، ونتمنى للدولة والمجتمع السعودي كل الخير والرفاه والتوفيق من خلال تعادلية الأولويات لا من خلال طغيان أحدها.