
المفكر العراقي د. محمد عياش الكبيسي
الأمة| حوار أجراه: محمد أبو سبحة
أكد الدكتور محمد عياش الكبيسي أن شعور “السُنة” بالتهميش أثر في نتائج الانتخابات البرلمانية خاصة في المحافظات المختلطة، معتبرًا أن المشروع الأمريكي في العراق لازال يكتنفه الغموض ولا يمكن التعويل عليه كثيرًا، كما رأى أن عدم استقلالية مقتدى الصدر الذي يقود كتلة “سائرون” في البرلمان، يقلل من تأثيره إيجابًيا في المشهد العراقي.
تناول المحاضر والمفكر العراقي في حوار مع “الأمة” أحوال أهل السنة في العراق في ظل الغموض الذي لازال يكتنف تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، والصراع بين الكتل الفائزة حول أحقيتها في تأليف الحكومة، وذلك بعد المخاض العسير الذي مرت به عملية تشكيل البرلمان الذي عقد جلساته الأولى مؤخرًا،
وإلى نص الحوار:
(العزوف السنّي)
■■ من وجهة نظركم لماذا لم تحقق السُنة عدد أكبر من المقاعد في البرلمان؟
عدد مقاعد السنّة في البرلمان بكل تأكيد لا يتناسب مع نسبة السنّة الحقيقية في المكوّنات العراقية، ويعود هذا الخلل إلى جملة من الأسباب نلخّصها في الآتي:
أولا: القانون الانتخابي الذي جعل لكل مائة ألف نسمة مقعدًا واحدًا، وهذا إجراء سليم ليس فيه إشكال، إلا أن الإشكال أن هذا يتطلب وجود إحصاء سكاني دقيق، وهذا مطلب من مطالب السنّة، لكن الحكومة تتغافل عنه، فحينما تحدد المفوضية العليا للانتخابات 15 مقعدا للأنبار وهي محافظة سنية، وبالمقابل تحدد 19 مقعدا لذي قار وهي محافظة شيعية، فهذا يعني أن سكّان الأنبار 1500 ألف، وسكان ذي قار 1900ألف، والحقيقة ربما تكون معكوسة تمامًا، وهذا مجرد مثال طبعًا، ولحل هذه المشكلة يلزم إجراء تعداد سكاني للمحافظات وبإشراف دولي محايد.
ثانيا: العزوف السنّي عن المشاركة في الانتخابات، وهذا يرجع لشعور السنّة أن هناك اتفاقات دولية وإقليمية مسبقة لتهميشهم وربما لمعاقبتهم خاصة بعد تفرّدهم بشكل واضح في مقاومة الاحتلال الأميركي لبلادهم، وهذا العزوف مؤثّر بشكل واضح في نتائج الانتخابات خاصة بالنسبة للمحافظات المختلطة.
ثالثا: الانقسام العرقي للسنة، حيث يتكون السنة من ثلاث قوميات رئيسة؛ العرب ثم الكرد ثم التركمان، ولكل واحدة من هذه القوميات مشاريعها وعلاقاتها وتطلعاتها، وهذا وإن لم يكن مؤثرا في عدد المقاعد لكنه يضعف القدرة على التنسيق وتوحيد الجهود والمواقف.
(الحلقة المفقودة)
■■ هل يلبي منصب رئيس البرلمان فقط طموحات السُنة في العراق، لماذا لا يشكلون الحكومة؟
منصب رئيس البرلمان منصب رمزي، فمهمة رئيس البرلمان الفعلية هي إدارة جلسات البرلمان، ولا يتميّز عن غيره من الأعضاء من حيث احتساب الأصوات، هذا من الناحية التشريعية، لكن رئيس البرلمان له عنوان سياسي كبير يمكن أن يستثمر بشكل جيد في العلاقات الخارجية، وهنا الحلقة المفقودة حيث إن الدول العربية ليس لها مشروع واضح في العراق في مقابل المشروع الإيراني ليتم تفعيل هذه العلاقة.
بالنسبة للحكومة من الممكن أن يكون للوجود السنّي تأثير ملحوظ لو كانت الحكومة مستقلة عن التدخلات الخارجية (الأميركية والإيرانية) والتدخلات الداخلية المؤثرة مثل (المرجعيات الدينية الشيعية) و (المليشيات المسلحة الشيعية)، وهذه التدخلات كلها تأتي لدعم الطائفة الشيعية على حساب المكونات الأخرى.
(عباءة المرشد الإيراني)
■■ لو أسندت مهمة تشكيل الحكومة للقائمة التي يتزعمها مقتدى الصدر، هل باعتقادك سيكون أفضل للعراق؟
مقتدى الصدر وإن كان يتبنى خطابًا عروبيًا لكنه في النهاية لا يستطيع أن يخرج عن عباءة المرجعية ولا عباءة المرشد الإيراني، وهو كذلك يمتلك مليشيا مسلحة، وأخيرًا استجاب للضغوط الإيرانية وذهب للتحالف مع خصومه التقليديين من “العصائب” ونحوها للتنسيق معهم في تشكيل الحكومة، وأهل السنة بالعموم ينظرون إليه بنظرة مختلفة إلى حد ما عن الآخرين كنوري المالكي وقيس الخزعلي وهادي العامري.
(أوراق أمريكا في العراق)
■■ هناك رسائل دعم أمريكية متتالية لتحالف “المحور الوطني” كيف ترى ذلك؟
المشروع الأميركي في العراق يكتنفه الغموض، ولا يمكن التعويل على رسائله المبطنة ولا حتى خطاباته المعلنة، الواقع يقول بأنه ليس هناك تغيّر واضح في السياسة الأميركية تجاه التدخل الإيراني في العراق، وأميركا قادرة على تحجيم هذا التدخل -لو كانت صادقة- ولديها أوراق كثيرة منها مثلا إعادة بناء الجيش العراقي بالكفاءات العراقية الكبيرة والتي استبعدت تحت عنوان “اجتثاث البعث”، وكذلك تقوية القوائم ذات الميول العلمانية والليبرالية والموجودة حتى داخل الطائفة الشيعية.
(تأثير غير ملموس)
■■ وكيف ترى مستقبل العراق في ظل الضغط على إيران وحصارها اقتصاديا؟
العلاقات الأميركية الإيرانية خارج المشهد العراقي فنعم هناك مؤشرات عملية ليست في صالح إيران، خاصة في الجانب الاقتصادي، لكن تأثير هذا في المشهد العراقي بعيد جدًا على الأقل في الواقع الملموس والمدى المنظور.
(الاصطفاف الطائفي)
■■ تشابهت مطالب متظاهري البصرة مع “الحراك الشعبي” لكن تهم الإرهاب كانت من نصيب السنة! لما حدث ذلك؟
الشعب العراقي كله يعاني، ولولا الاصطفاف الطائفي الذي غذّته إيران ودعمته أميركا لوجدت الحراك الشعبي العام في كل محافظات العراق، وما حصل مؤخرًا في البصرة مؤشّر على ذلك، أما طريقة تعامل الحكومة فهو تأكيد منها على النهج الطائفي وازدواجية المعايير الفاقعة، ومع هذا فأهل الأنبار كانوا أول من ساند ودعم المطالب البصرية، لأنها مطالب إنسانية ومشروعة أولا ولأنها تمثل بادرة للوعي الشعبي العام.
(نافذة الوَعْي)
■■ أطلقتم مبادرة #نافذة_للوعي عبر منصات التواصل الاجتماعي، حدثنا عنها لو تفضلت..
نافذة الوعي جاءت بعد قراءة متأنية لحال الأمة، وقد انطلقت من تشخيص أن المعضلة التي تعطّل طاقات الأمة وتشتت جهودها إنما هي انخفاض مستوى الوعي، والخضوع في كثير من الأحيان لمقولات ذات طابع ديني أو فكري غير مؤصّلة وغير مفحوصة، ومن ثم كانت المبادرة لملاحقة هذه المقولات وفحصها وتبيين آثارها ومن ثم تصويبها، وذلك مثل المقولات المتعلقة بالتواكل والاستناد إلى القدر بعيدًا عن فهم السنن الكونية، وكذلك التفسيرات الغيبية التي تعتمد نوعًا من المزاجية والبعد عن التشخيص العلمي، وقد لقيت قبولا مرضيّا والحمد لله.