د. محمد الأسطل يكتب: المرابطون على ثرى أرض الشام

قرأتُ التصريحَ الصادر عن معبر باب الهوى في الشمال السوري المُحرَّر أنه لم تصلهم بعدُ أيُّ مساعداتٍ من أي جهةٍ كانت لإنقاذ من زالوا تحت الأنقاض وإزالة الركام وما إلى ذلك من آثار الزلزال المدمر.

وحتى لو افترضنا مجيء ذلك فيما بَعْدُ فإنه يأتي متأخرًا عن لحظة الحاجة الماسة والمئات أو الآلاف تحت الأنقاض ينتظرون إغاثةً فوريةً، فضلًا عن الذين انقطعت بهم السبل ويحتاجون لتأمينٍ عاجل في بيوتٍ بالأجرة أو بأي تدبيرٍ متاح.

وخطر ببالي إزاء ذلك ما روى البخاريُّ في صحيحه عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ ﷺ يقول: «لا يزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» قال معاذ: وهم بالشأم.

وأمرُ الله الذي سيأتي هو يوم القيامة أو علاماته.

والذي يشدُّ الانتباهَ في الحديث أن النبيَّ ﷺ أخبر أنَّ المرابطين على ثرى أرض الشام يلتقي عليهم عداءُ الكافر وخِذلانُ المسلم؛ فإنَّ المُخَالِفَ يكون من الأعداء والخاذل يكون من الأولياء؛ إشارة إلى الذين تركوا النصرة والمعاونة ممن هم داخل الدائرة الإسلامية نفسها.

هذا مع أنَّ صفةَ الطائفةِ المنصورة أنها تجمع بين صفةٍ عامَّةٍ؛ وهي القيام بأمر الله، وصفةٍ خاصَّةٍ؛ وهي القتال في سبيل الله، مما يعني أنَّ المتوقع أنها في موضع فخرٍ يشرف به من نصرها، ومع ذلك تتعرض للخِذلان، وتبقى تتحمل آلامها بصمتٍ دون أن تتكلم.

وشراح الحديث يتناولون الخذلان بترك إمداد رجال الطائفة المنصورة بالمال والسـ.ـلاح وما تحتاجه الثغور، فضلًا عن الدفاع عنهم، وذب الشبهات عن ساحتهم، لكن الأيام بما تحتويه من أحداث طاحنة أظهرت لنا أنَّ الخِذلان قد يصل إلى ما هو أدنى وأدنى من ذلك.

فهناك أكثر من 2 مليون إنسان في الشمال السوري المحرر ما زالوا يسكنون الخيام، بل إنَّ بعضَهُم لا يجد الخيمة نفسها ويسكن تحت الشجر بوضع شادرٍ ونحوه، وهم الآن يعانون البرد أشد العناء، بل حدثني بعضهم أن العين لا تخطئ من يبحث عن قوت عياله في القمامة، ولكنهم لا يحبون إظهار ذلك تعففًا.

ثم بلغ الخِذلان اليوم حدَّ التقصير في الإعانة في الكوارث العامة كالزلازل، والتي هي موضع تعاطفٍ دولي.

أعوذ بالله ثم أعوذ بالله ثم أعوذ بالله.

هذا ليس من الخِذلان بل هو الخِذلان نفسه!

وهذا من جملة الضريبة التي يريد صُنَّاع القرار الدولي تدفيعها لمن يحمل السـ.ـلاح ويرفض الظلم ويأباه، بحيث يبقى الرجل في ذهولٍ عقليٍّ غاية أمره البحث عن أساسيات يومه وقوت عياله والمسكن الذي يستره، فلا يموت ولا يحيى.

وكأنَّ هذا المشهد الكئيب هو الذي يُفسِّر لنا كثرة الأحاديث النبوية التي تُبشِّر أهل الشام بأنهم في كفالة ربهم، وأنَّ الله يؤجرهم ويعطيهم الدرجات العلى في الجنة، ويجعل عملهم ممتدًّا إلى يوم القيامة، وأنهم آمنون من الفزع إذا وردوا أهوال القيامة وشدائدها، وغير ذلك مما يصدح فيهم أنَّ في انتظاركم مشهد تكريم يوم القيامة على رؤوس الخلائق؛ ليغبطهم يومئذٍ كلُّ أحد، وليُخزى به من خذلهم فضلًا عمن خالفهم.

وأحمد الله أنَّ ما يجري اليوم جاء ذكرُهُ من قديمٍ في النبوءة النبوية، ولم يقصر سلفنا الصالح في رواية أخبار الشام جيلًا بعد جيل؛ لتكون تلك البشائر النبوية أنيسًا للمقهورين والمظلومين، في ظل المشهد القاتم في هذا العالم الظالم الذي لا يحترم إلا الوحوش.

والله غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.