سألني الأخ فاروق عن فتوى بعض الناس بتكفير العلامة شبلي النعماني رحمه الله، واستغرب أن يكفر مثل العلامة شبلي النعماني في علمه ودينه وخدمته للإسلام والمسلمين، ومن يعش في الدنيا ير الغرائب.
كان شبلي جامعا للفضائل، فهو عالم باحث محقق، مؤرخ فريد، وخبير تعليمي فاق دهره، وأسلوبه الأدبي ففي غاية الروعة والجمال، عذب سلسال، أحلى من الماء الزلال، اتبعه عامة العلماء والأدباء حاذين حذوه ومنتهجين نهجه، فالعلامة السيد سليمان الندوي،
والعلامة عبد الباري الندوي، والأستاذ ظفر علي خان، والقائد محمد علي جوهر، وأبو الكلام آزاد، وعبد الماجد الدريابادي،
وأبو الأعلى المودودي، وأبو الحسن علي الندوي كلهم إلى مدرسة شبلي منتسب ولدرره وجواهره ملتقط، وما أنا -ومن أنا؟- إلا قطرة من سحابه ولو أنني صنفت ألف كتاب.
يقولون لي: ما لك مثنيا على شبلي في موضع الثناء وفي غير موضع الثناء؟ فأقول لهم: إني أحب المظلومين وأتقرب إلى ربي بذكر محاسنهم، وهذا هو دأب الدهر العادل المنصف، ألا ترون أن ذوي النهى يفرضون عيادة المصابين المتفجعين، ولا يحتسبون عيادة الهائمين المتسكعين؟
التعاون لا التنافس:
وسألني الأخ فاروق فيما سألني عن التنافس في المدارس الإسلامية في الهند وتظاهر بعضها على بعض، فقلت: إن هذا التنافس هو الذي جر إلى التحاسد والتباغض، يا ليت العلماء تعاونوا متعاضدين، فهذا يسد ثغرة، وذلك يسد ثغرة، وما هم إلا مرابطين، متحدين في قبلتهم، ومختلفين في جبهات نضالهم وميادين أعمالهم.
وقلت: إن العالم الذي يفرق بين المسلمين فهو عندي رخيص لا قيمة له،
والعالم الذي اتسع قلبه ورحب صدره واهتم بتوحيد المسلمين فهو عندي غال،
وحق له أن يقود الأمة، وحق للناس أن يجتمعوا حوله.
يا نفس! اهجري هذا القول، فإن العيب إذا أعيدت شكواه صار عيبا، وحسبنا الأحاديث التي لا نلوم فيها أحدا ولا نلام.
ولأدافع عن نفسي، فأقول: إنما شرحت ذلك الأمر، ولم أتعمد فيه إطالة، كي يعلم الناس الخبر الصحيح،
وكي يطلعوا على شعور يساورني فلا يفارقني، بيد أنني لا أحب الإصرار على الذنب، وأني كلما نُبهت قدمت الاعتذار.
الفطور:
تناولنا في الطائرة فطورا خفيفا ساعين أن نتجنب الحرام، والسعي في الابتعاد عن محرمات الله من الإيمان، نؤجر عليه من رب العالمين.
ونمنا قليلا، ثم اشتغلت بعملي، وقدم إلينا آئس كريم، فعادت إلينا الروح وكأننا نشطنا من عقال،
ولأعترف أن المضيفة، وهي عجوز، كانت معاملتها إيانا رائعة تحترم الركاب مواصلة لهم الود والتكريم،
بينما كان المضيف رجلا مستكبرا فظا غليظا، وما المستكبرون إلا أذلاء صاغرين.
تلمذة الشيخ سالم القاسمي على حكيم الأمة:
وجرى ذكر شيخنا محمد سالم القاسمي، فأخبرنا صاحبنا أنه كان يصحب أباه إلى حكيم أشرف علي التهانوي،
وقرأ عليه بعض الكتب الابتدائية، فقلت: لم أسمعه من الشيخ رغم سؤالي إياه عن سماعاته وأسانيده،
فأكد لي الشيخ فاروق صحة الخبر الذي بثه إلى، وهو أمر محتمل فلا وجه لإنكاره،
ولعل الشيخ لم ينشره لعدم سماعه كتابا حديثيا أو لعدم إجازة منه له، وقد يغفل الشيوخ ذكر أشياء تخفى عليهم خطورتها.
الهبوط:
هبطت الطائرة في مطار شيكاغو الساعة العاشرة والربع صباحا،
ولم أتمكن من الخروج إلا الساعة الواحدة والنصف ظهرا، وفاتتني صلاة الجمعة رغم حرصي الشديد على أن أدركها.
ما كرهت مطارا كراهيتي لمطارات أمريكا والهند، يهبط بها المرء وكأنه متهم،
ولا حيلة له إلا أن يدفع التهم الملصقة به ويبرئ نفسه مما هو بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب،
وهو حين يجيب عن الأسئلة المستهجنة المستوفزة مستراب.
لي صاحب إيطالي نصراني زاهد في أمريكا وأهلها، يزعم أن قاصديها لو تصوروا صورتها وتخيلوا معناها لما نالهم منها غبطة ولا سرور.
قلت: إن المذهب الذي ذهب إليه الإيطالي فيه مبالغة وغلو، وما أبعده عن مهيع ذوي الفطنة والحزم،
فكل صقع من أصقاع الأرض فيه الخير والشر ممزوجان غير مفترقين،
فما من عسل مصفى إلا وهو محاط بصاب وعلقم،
والعالم كله فيه أضداد متقابلة، غنى وفقر، مسرة وحزن، فرح وألم، فلنشكر على النعم، ولنصبر على الأذى محتسبين.
- د. محمد أكرم الندوي يكتب: العلامة شبلي النعماني - الجمعة _17 _فبراير _2023AH 17-2-2023AD
- د. محمد أكرم الندوي يكتب: أخي لا تقع في الصالحين - الأربعاء _4 _يناير _2023AH 4-1-2023AD
- د. محمد أكرم الندوي يكتب: الشيخ عزير شمس رحمه الله - الخميس _17 _نوفمبر _2022AH 17-11-2022AD