- دعوة لتشجيع كتابة السيرة باللهجة العامية - الجمعة _15 _يناير _2021AH 15-1-2021AD
- د. فتحي محمد يكتب: الإفساد باسم الاجتهاد - الأحد _27 _ديسمبر _2020AH 27-12-2020AD
- إذا أردت أن تعرف مقامك؛ فاترك مكانك - الأربعاء _18 _نوفمبر _2020AH 18-11-2020AD
الأخوة من أجل نعم الله على المسلمين، وهى رباط بين المؤمنين كما قال الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة)، وهى كذلك أعز ما يمكن أن يمتلكه أهل الإيمان، ولذا كان بعض السلف يكثر من الإخوان الصالحين، فهم رصيد لديه، كما هي الأموال رصيد لدى أهلها.
والوصال هو الذي يعزز تلكم الأخوة، ويقويها، فلا غرابة إذا وصفت الأخوة بشجرة، وكان الوصال إرواءها ونماءها.
وقد أبدع الإنسان في العصر الحديث وابتكر وسائل كثيرة في مجال التواصل تجعله سهلا ميسورا، حتى إن من يعيش في أقصى الأرض يستطيع أن يتواصل ويطمئن على من يعيش فى أقصاها من الطرف الآخر في ثوان معدودة.
وقد تعددت وسائل التواصل الحديث حتى بلغت من الكثرة وقلة التكلفة بحيث لا يوجد من يريد أن يتواصل ويصعب عليه الأمر.
وقد بلغت وسائل التواصل المعاصرة من السهولة من ناحية، ومن الدقة من ناحية أخرى، بحيث تخبرك بأن رسالتك وصلت لمن أرسلت إليه، فإذا ما فتحها وقرأها أعطتك إشارة أخرى بأنه قرأها وفتحها، مثل برامج «الفايبر» و«الواتس آب» و«اللاين» و«إيمو» وغيرها، فتحاصرك هذه الوسائل بدقتها بما لا يدع لك مجالا في إنكار وصولها، وتكشفك أمام من أرسل إليك ؛ فلا تبقى لك عذرا في عدم الرد، ثم أنت وحدك بعد ذلك الذي تقرر الرد من عدمه، بما يعكس لدى المرسل اهتمامك به و برسالته أو غير ذلك.
ومن المقرر في حياة الناس -حتى أصبح معلوما بين الناس بالتعامل – أن تكون لديهم انشغالات تحول بينهم- في بعض الأوقات – وبين الرد على المتصل أو المرسل، كأن يكون بعضهم فى اجتماع، أو في نوم، أو في وقت مدارسة أو مطالعة، ولا يريد أن يقطع عليه التواصل حبل أفكاره، فيجعل التليفون على وضع صامت مثلا، أو غير ذلك، وهذا أمر معلوم ومفهوم، ولا يكاد يخلو منه أحد، ولكن يصبح الرد على من طرق باب هاتفك واجبا في أقرب فرصة تسنح لك، حتى لا تدع للشيطان منفذا يدخل منه، لإفساد الود بينك وبين من قصدك، وتقطع طريق الظنون أمام من وصلك، إذا كنت تريد الوصال والرد وإظهار الاهتمام والتقدير، وإلا فأنت تسهم بعدم اكتراثك بوصال الآخرين في الابتعاد والهجر.
ورد التحية واجب على من بدأك بها امتثالا لقوله تعالى {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}، خاصة إذا كانت تحية الإسلام «السلام عليكم»، فإن رد السلام واجب، سواء كان مسموعا أو مكتوبا.
ويصبح من باب الفضل أن يعيد الاتصال بك من وصلك، ولم ترد عليه، ويلتمس لك عذرا، ويرفع عنك الحرج إذا كانت مدة عدم الرد قد طالت وتستحي أن تتصل به.
أما إذا كنت قد قررت الهجر فلا خير في وصال من لا يرى وصالك كريما لديه، ويصبح من احترام الإنسان لذاته ألا يعاود الاتصال حفظا لكرامته، ويصبح كذلك من التربية والتوجيه لمن لا يكترث بوصال الآخرين أن تتوقف عن وصاله حتى يراجع نفسه، ولا يستغرب الهاجر بعد ذلك إذا أدار له – من هجره- وجهه حين يراه في مناسبة اجتماعية، أو يتجاهله عمدا إذا التقاه في مكان عام، فهذا ما جنته يداه.
هذا ما نقرؤه في الاجتماع والتواصل بين الناس، وما تعبر عنه النفوس الإنسانية عند العتاب والمراجعة، وإن كان الحديث ورد في صلة الأرحام بأنه «ليس الواصل بالمكافئ»، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله: أن له قرابة يصلهم ويقطعونه، ويحسن إليهم ويسيئون إليه. فقال (لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) . ومعنى تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ أَيْ تُطْعِمُهُمُ الْجَمْرَ، والمل هو الرماد الحار كما قال الأصمعي. فهذا ورد فى صلة الأرحام والقرابة، وكذلك لا يتعلل أحد بذلك في هجره، لأنه بذلك يرتضى أن يكون من آكلي المل، وكفى به وصفا للتنفير منه.
وعلى كل حال، من يستطيع أن يتقبل ذلك، وتطاوعه نفسه، فهذه الصورة المثلى، ولكن ليس كثير من الناس يطيقون ذلك، ما لم يكن هو فضوليا على الآخرين، وهو لا يدرى.
ويصبح من الواجب على الهاجر أن يصلح ما أفسده، ويجبر ما كسره إن أراد وصالا، والاعتذار أقصر الطرق في ذلك وأصدقها.
هذه همسة من همسات الوصال، لها آثار كبيرة في حياتنا الاجتماعية سلبا وإيجابا، فلا تطفئوا نور الوصال بظلام الهجر.