في ظل تتابع جرائم القتل العمد التي انتشرت هذه الأيام في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تبرز حاجة المجتمعات لإقامة القصاص،
تشريع السماء العادل الناجز الوارد في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
البقرة 179.
لقد جاء القصاص تشريعًا ربانيا عادلاً، ففيه طهرةٌ للمقتول وحياةٌ للنوع الإنساني، وتشفٍ للمظلوم وعدلٌ بين القاتل والمقتول، كما يقول ابن القيم.
وقد شرع القصاص حفظًا للدماء المعصومة، وزجرًا عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها. كما يقول الفقهاء..
ولم يكن التشريع في الإسلام إلا للتنفيذ حتى يؤتى ثماره المرجوة من حفظ الحياة، وتحقيق الأمن، وبسط الاستقرار في دنيا الناس،
ولذلك قال القرطبي في معنى الآية:
«إن القصاص إذا أقيم وتحقق الحكم فيه ازدجر من يريد قتل آخر، مخافة أن يقتص منه فحييا بذلك معًا».
وقد جاءت هذه الآية تشير إلى ما في القصاص -تشريعًا وتنفيذًا- من حياة عظيمة تحفظ فيها الأرواح، وتطمئن النفوس ويستقر النظام،
ولا ريب أن من علم أنه إذا قَتَلَ قُتِلَ وأن القصاص له بالمرصاد كفَّ نفسه عن قتل صاحبه فتحفظ لهما حياتهما ويسلمان،
هذا من القتل وهذا من القصاص. كما يقول الشيخ محمود شلتوت.
وكانت العرب قديمًا تقول: «القتل أوفى للقتل أو أنفى للقتل».
وإهمال القصاص العادل في القتل العمد يشجع على الجريمة، ويذهب بالأمن والأمان من المجتمعات،
وكما قيل:
من أمن العقاب أساء الأدب، ومن شأن إهمال القصاص أن يؤجج النفوس ويلهب الأحاسيس ويدفع الناس إلى الثأر بأيديها.
وجاء ختام الآية الكريمة: {لعلكم تتقون] أي تتقون القتل فتسلمون من القصاص. كما يقول الطبري.
ويبقى دور المجتمع في التوعية بخطورة التجرؤ على الدماء في الدنيا والآخرة، والتربية على تعظيم حرمة النفس،
وتنمية الوازع الديني ليقوم حاجزا بين الإنسان والوقوع في غضب ربه تعالى،
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}
[النساء: 93].
وكل ما دون الدماء يجعل المسلم في سعة كما جاء في إخبار الصادق صلى الله عليه وسلم:
«لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما».
ولهذا كان ابن عباس يرى أن القاتل ليس له توبة.
ويأتي هذا الدور مكملا لحفظ النفوس المعصومة، ومتمما لأمن المجتمعات واستقرارها، فإن القوانين وحدها لا تقيم مجتمعات آمنة.
- د. فتحي أو الورد يكتب: مَنِ المُحْصَن؟ - الأثنين _15 _أغسطس _2022AH 15-8-2022AD
- د. فتحي أبو الورد يكتب: الحرية المشترك الإنساني الأكبر - الأحد _31 _يوليو _2022AH 31-7-2022AD
- د. فتحي أبو الورد يكتب: «التعدد» بين تقييد المباح وتعقيده - الأربعاء _13 _يوليو _2022AH 13-7-2022AD