جاءني السؤال التالي:
هناك فتوى بتحريم الجمعيات المالية، فهل تدخل الجمعيات المالية ضمن الصورة التي أطلق عليها العلماء «أسلفني أسلفك» والتي قالوا بتحريمها؟
والجواب بعد فضل الله وعونه ما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد،
فإن صورة الجمعيات المالية التي تتم بين الناس كالتالي:
يشترك عشرة أشخاص – مثلاً – يدفع كلٌّ منهم ( 1000) ريال شهرياً لمدة عشرة شهور – مثلا – ثم يأخذ كل شهر أحدهم ( 10000) ريال حتى آخرهم.
ومسألة «أسلفني أسلفك» التي حرمها كثير من العلماء، صورتها أن يقول المقرض للمقترض: «أقرضك كذا بشرط أن تقرضني بعد ذلك غيره». وحجتهم أن هذا الاشتراط يجر منفعة للمُقرض، وكل قرض جر منفعة مشروطة للمُقرض فهو حرام.
وما أراه أن الجمعيات المذكورة لا ينطبق عليها ما ذكره الفقهاء بتحريم صورة «أقرضني أقرضك»
وأرى جواز ما يسمى بالجمعيات بين الموظفين وعموم الناس لما فيها من التيسير عليهم وقضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم، وهي من التعاون على البر والتقوى والتضامن والتكافل بين الناس والمواساة، وهي صورة تحفظ ماء الوجه من الاقتراض الصريح، وتعصم الناس من اللجوء إلى البنوك أو غيرها للاقتراض بالربا المحرم.
وتختلف هذه المعاملة عن المعاملة التي سماها الفقهاء «أقرضني أقرضك» أو «أسلفني أسلفك» لأنها ليس فيها شرط صريح بأن تسلفني على أن أسلفك، وإنما تتم بدون هذا الشرط الصريح.
كما أن النفع الوارد في تعريف الربا بأنه كل قرض جر نفعا، تكلم عنه الفقهاء وأوضحوا أن المنفعة المشروطة هي الزيادة على أصل القرض وليس كل منفعة.
وعادة ما يحتاج الناس إلى هذه الصورة لتيسير حاجاتهم وتفريج كرباتهم من باب التعاون على البر ومساعدة بعضهم البعض دون اشتراط «إن تقرضني أقرضك»؛ بل يعرض الأمر على الراغبين، فمن شاء اشترك ومن رغب عن ذلك ابتعد،
والكل منتفع؛ بل في بعض الحالات يكون النفع لبعض المشتركين دون غيرهم، لأن البعض في حالات، والأكثر في حالات أخرى – كما هو مشاهد – لم يشتركوا لحاجة بهم إلى مثل هذه الجمعية؛ بل رغبة منهم في تفريج كريات البعض، وقضاء حوائجهم.
كما أنه لا توجد أية زيادات على أصل المال، وإنما يأخذ كل واحد منهم ما دفعه فقط.
ومن المعلوم أن مبدأ التعاون على البر الإسلامي غايته أن يجر منافع مشروعة على المعسرين والمحتاجين والمكروبين، وهذه الجمعيات إلى هذا المبدأ أقرب منها إلى مسألة “أقرضني أقرضك” التي حرمها كثير من العلماء لما فيها من اشتراط النفع الصريح مقدما كما عللوا، رغم تحفظ بعض العلماء على إطلاق المنفعة وتقييدها بأنها الزيادة على أصل المال، وليس كل منفعة كما سبق توضيحه.
وقد نص بعض الشافعية على جواز هذه الصورة قالوا:
“فَرْعٌ: الْجُمُعَةُ الْمَشْهُورَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ بِأَنْ تَأْخُذَ امْرَأَةٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُنَّ قَدْرًا مُعَيَّنًا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَدْفَعُهُ لِوَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، إلَى آخِرِهِنَّ جَائِزَةٌ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ. راجع حاشية قليوبي وعميرة على شرح منهاج الطالبين.
وقد أجاز هذه الصورة بعض العلماء والهيئات المعاصرة وهو ما أراه محققا للمصلحة الشرعية، وأرفق بالناس وأصون لهم من الوقوع في العنت الذي قد يلجئهم إلى الربا المحرم.
والله تعالى أعلم.
- د. فتحي أبو الورد يكتب: تداول السلطة السلمي وحقوق الإنسان - الأربعاء _15 _يونيو _2022AH 15-6-2022AD
- د. فتحي أبو الورد يكتب: إنسانية رجل - الأحد _5 _يونيو _2022AH 5-6-2022AD
- د. فتحي أبو الورد يكتب: هل تجوز الجمعيات المالية بين الموظفين؟ - الأربعاء _1 _يونيو _2022AH 1-6-2022AD