الإسلام ربما يكون هو الدين الوحيد الذي قام على أساس من حرية الفكر والاعتقاد، ويكفي أنه سمح لجميع أصحاب الديانات السابقة بالعيش في ظله يمارسون حرية فكرهم ومعتقداتهم، ويقيمون شعائر دينهم ومعتقداتهم.
لكن حرية الفكر والرأي في أي مجتمع من المجتمعات لابد وأن تكون لها ضوابطها وحدودها التي تحافظ على أمن المجتمع وسلامته،فكل شيء في الكون يسير بنظام، وله قوانينه التي تحكمه، وسننه التي تضمن سلامته واستمراره.
وحرية الفكر والإبداع حين تخرج علي الحدود والضوابط التي تحافظ على أمن المجتمع تتحول إلى حرية هدم لأسس المجتمع.
وقد وضع الإسلام ضوابط لحرية الفكر والرأي منها:
١- أن تقوم هذه الحرية على أساس من الدليل والبرهان، لا على أساس من الشهوة والهوى والظن. فحتى عباد الأصنام والمشركين يطالبهم القرآن بالبرهان والدليل على معتقداتهم الفاسدة (قل هاتوا برهانكم إن كنت صادقين)، (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه). فالرأي يضرب بالرأي، والحجة تقرع بالحجة، والسيف لا يلغى رأيا صائبا.
فحرية الفكر والرأي إن لم تكن مؤسسة على الدليل والبرهان، فهي مرفوضة لأنها سوف تكون مجرد هوىً وبعد عن الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟
٢- أن تكون هذه الحرية مقيدة بعدم المساس بالأسس التي يقوم عليها المجتمع، أو بالتعبير الحديث: الدساتير والنظم الأساسية التي تضبط حركة المجتمع.
والمجتمع الإسلامي ليس بدعاََ في هذا الأمر، بل كل النظم والمجتمعات البشرية لا تسمح لأحد بالمساس بالدساتير التي تقوم عليها.
فأمريكا بلد الحريات لا يمكن لأي مفكر فيها أن يخرج عن طائلة القانون والدستور الذي تم وضعه.
وأما عن الإبداع: فهو معنى كبير وسامي وراقي، ولا ينبغي أن نطلقه على أي عمل.
فالإبداع هو إيجاد الشيء على أفضل صورة وأحسنها وأجملها، ومن هنا كان لابد من ارتباط الإبداع بالجمال والحسن والأخلاق، خلافا لمن يطلقون كلمة إبداع على كل عمل فني سواء أكان مرتبطا بالأخلاق والجمال أم لا، وهم أنصار نظرية الفن للفن.
والإسلام يشجع على الإبداع والفن الجميل الذي يسمو بالأخلاق ويرتقي بها، ويرفض الإبداع والفن الهابط الذي ينحط بأذواق الناس نحو هاوية من الفساد والانحراف.
ومن هنا فكل من يشجع على الفضيلة ويدعو إليها ويحافظ على ثوابت المجتمع وأسسه ويحفظها من الانهيار، فهو فن وإبداع إسلامي أصيل، وكل إبداع يحاول هدم أسس المجتمع ويدعو إلى إثارة الشهوات ويهدم المقدسات فهو ليس فنا ولا إبداعا.
- د. عبد الغنى الغريب يكتب: التراث وتقدم الأمم والشعوب. - الثلاثاء _21 _يونيو _2022AH 21-6-2022AD
- د. عبد الغنى الغريب يكتب: الإسلام وحرية الفكر والإبداع - الجمعة _17 _يونيو _2022AH 17-6-2022AD