صور المحنة التي تتعدد وتتجدد في وقتنا الحاضر على العلم والعلماء والدعوة والدعاة في اكثر بلاد المسلمين؛ قد يحتاج كل منها إلى منشور في مقال أو عدة مقالات، ولكن الإشكال هو عدم الإقبال على المقالات الطوال..!!
فإضافة إلى ما سبق ذكره في محنة الإهانة والاستهانة بأحرار العلم والدعوة؛ بالسجن والتعذيب والنفي والتشريد؛ هذه صور أخرى من محنتهم ..فرج الله كربتهم :
تقنين المنع وتعميم الإيقاف من وزارات الداخلية أو الأوقاف؛ لجمهرة عظيمة من الجديرين بكراسي العلم ومنابر الدعوة،
مع تصدير أو إجبار غيرهم من «الموظفين» غير المؤهلين، أو غير الراغبين في القيام بأعباء تلك المهام المحاطة راهنا بالمخاطر والمحاذير ..
تسليط سفلة الإعلاميين وجهلة المثقفين؛ لإسقاط الرموز العلمية والدعوية، التي ظلت تمثل قامات وقدوات لأجيال سابقة،
لحجب أسباب الهداية عن الأجيال اللاحقة، مع انضمام بعض المتعالمين إلى حملات التطاول على الأكابر من العلماء القدامى والمعاصرين، لأسباب عديدة، وراءها نفسيات مريضة.
وفي المقابل يرى الناس مظاهر التمجيد والتكريم لرؤوس ورموز الملل الكفرية والنحل البدعية،
من القسس والرهبان والمراجع الشيعية وغلاة الصوفية، في ازدواجية معايير يعجز عنها التعبير.
ومن محن العلم التي تطال العوام وأهل الالتزام؛ أن الراغبين في تعلم الدين اليوم لايكادون يرون عالما مصلحا أو داعية حرا؛ تلتف حوله الجماهير؛
بعد «تأميم» المساجد «واحتلال» المنابر، حتى صارت غالب خطب الجمعة الموجهة أمنيا وإعلاميا؛ منزوعة الدسم، قليلة النفع .
ولعل من أكثر وأخطر محن العلم والعلماء بعد افتضاض الثورات العربية، وقصقصة أجنحة المؤسسات الدينية الرسمية؛ ما نراه من انفضاض عامة المسلمين، بمن فيهم غالب الإسلاميين؛ عن التجاوب،
فضلا عن التفاعل؛ مع الهيئات والاتحادات والروابط العلمية والدعوية الحرة، التي نشأت في العقدين الأخيرين،
والتي كان يفترض أن تسد الفراغ الرهيب في مكان (ولاية الأمر العلمية) بعد الشغور المخيف في مناصب ولايات الأمر السياسية الشرعية..
وهذه الهيئات العلمية والدعوية الحرة التي كثرت كياناتها في غالب بلاد المسلمين عربا وعجما؛
كان أحرى بجموع الملتزمين؛
لو كانوا معظمين حقا للدين؛ أن يلتفوا حولها، ويستمعوا لنصحها ويصدروا عن رأيها،
فوالله، وتالله وبالله..
إن في تلك التجمعات العلمية والدعوية؛ الغالبية من (البقية) الذين قال الله تعالى فيهم:
{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}
(هود/١١٦)
وعبارة (أولوا بقية) تدور في أقوال أهل التفسير حول المعاني التالية :
من يختارهم الله من بقايا أهل الخير.
ذووا البقية من الفهم والعقل.
القلة من العارفين ما لهم بالإيمان بالله وما عليهم من الكفر به.
الناهون أهل المعاصي عن معاصيهم، وأهل الكفر عن كفرهم.
وأخيرا أقول:
إن أولى أهل العلم بالتبجيل والتكريم هم العلماء العاملون -ولست منهم بالمناسبة- فالآمرون منهم بالمعروف والناهون عن المنكر، والمجاهدون في سبيل الله؛ صيانتهم أمانة، وإهانتهم خسة وخيانة.
وإنه إذا كانت لحوم العلماء بحق مسمومة.. فلحوم المجاهدين منهم ملغومة..
والله المستعان على فتن الزمان
- د. عبد العزيز كامل يكتب: دولة الإمارات.. وتصدير المؤامرات! - الأربعاء _15 _مارس _2023AH 15-3-2023AD
- د. عبد العزيز كامل يكتب: متى تتزلزل القلوب لعلام الغيوب؟ - الجمعة _10 _مارس _2023AH 10-3-2023AD
- د. عبد العزيز كامل يكتب: محنة العلماء.. (٢) - السبت _28 _يناير _2023AH 28-1-2023AD