«سنة الله في هلاك المترفين»
المترفون في عصرنا لم يعودوا مجرد قلة منحرفة في سلوكها وشدة شرهها بالمال والجاه كما كانوا عبر التاريخ؛ بل صاروا بالرأسمالية المتوحشة، معسكرا دوليا، يحمل دينا وضعيا، يقوم على تأليه المادة، وتقديس اللذة، ومضاعفة الربح بالاحتكار والربا أضعافا مضاعفة..
وسنة الله تأبى أن تظل الأرض التي بارك الله فيها وقدر فيها أقواتها سواء للسائلين؛ نهبا لعدة شركات عالمية قارونية عابرة للقارات.. تنشر الإفساد وتضل العباد عربا وعجما..
ولا نشك أن عواصف التغيير ستهب على المترفين في بلاد المسلمين؛ مثلما تهدد مصائر الغارقين فيه ببلاد الكفار والمشركين،
فحديث القرآن عن السنن الإلهية في هلاك أهل الإغراق في الترف المحرم والبطر والإسراف والتبذير،
لا تخص القدماء الغرباء الغابرين، بل تعم كل من جاءوا بعدهم ففعلوا فعلهم، ولو قالوا نحن من المسلمين.
واسمع لهذه الآيات عن سنن الله في المترفين؛ حتى ترى بعين اليقين، ما سيحدث لطغاتهم، ولو بعد حين:
قال الله تعالى في عاقبة بطر المترفين المسرفين الذين لا يحبون الناصحين :
{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}
[هود/ ١١٦] .
فمن سنة الله في الترف والمترفين،
أن من ينهونهم؛ هم القلة القليلة من خاصة المؤمنين، من أولي (البقية) في الفهم والعقل، وهؤلاء سيكونون من أوائل الناجين.
وقال الله عز وجل في استبدال أحوال المترفين:
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣)}
من سورة الأنبياء .
فعادة الله في المترفين أن يقصم ظهورهم؛ ثم يسخر منهم بعد إهلاكهم كما سخروا من الناصحين،
فيدعوهم للعودة إلى الحال المحال الرجوع إليها، مما كانوا عليه من النعم السابقة السابغة التي لم يحمدوها،
والآلاء العظيمة التي لم يذكروها فيشكروها ..
وقال الله تبارك وتعالى في خذلان المترفين: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا متْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا همْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تنْصَرُونَ (٦٥)}
من سورة المؤمنون.
فالآية تدل على أن سنة الله سبحانه في المترفين؛ أنهم يباغتون قبل غيرهم وقت هلاكهم،
ولا يجدون نصيرا من أتباعهم عند مجيء وقت عقابهم .
وقال الله سبحانه في عاقبة انتشار الترف والفساد بين العباد:
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا متْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}
[الإسراء/ ١٦].
والآية هنا تدل على أن من السنن الإلهية في هلاك الأمم الطاغية اللاهية؛
أنه سبحانه يقيم على طغاتها ومترفيها الحجج، ويوصل إليهم أوامر الطاعات،
فإذا تكبروا عليها وخرجوا عنها؛ استحقوا شديد العذاب وعاجل العقاب..
كما أنه سبحانه قد يمكن هؤلاء المترفين من الحكم والتسلط على رقاب عبيد الدنيا،
فيخسرون معا الآخرة بعد خسران الدنيا، كما في قراءة (أمرنا مترفيها) بتشديد الميم، أي جعلناهم حكاما وأمراء..
وكما أن خسران المترفين نطق به القرآن الحكيم، فقد دعا به عليهم الرسول الأمين ﷺ حين قال فيما رواه البخاري:
(تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ)
(يتبع بإذن الله).
- د. عبد العزيز كامل يكتب: محنة العلماء.. (٢) - السبت _28 _يناير _2023AH 28-1-2023AD
- د. عبد العزيز كامل يكتب: محنة العلماء.. (١) - الأربعاء _25 _يناير _2023AH 25-1-2023AD
- د. عبد العزيز كامل يكتب: وقفات ضرورية مع قوانين الأحوال الشخصية - الخميس _5 _يناير _2023AH 5-1-2023AD