لا تطوير للقدرات البشرية بدون تحسين لقدرات العقل، ولا تحسين لقدرات العقل بدون تجديد للداخل الإنساني.
هنا فى هذه القاعدة التربوية توجد فيها مسائل دقيقة، كل واحدة منها مرتبطة بقضية أساسية، لدينا (التجديد)، وهو يرتبط بالداخل الإنساني، وعندنا (التحسين)، وهو متعلق بالعقل وقدراته، ويوجد أيضا فى الفكر التربوي (التطوير) وهذا له علاقة بالقدرات السلوكية للإنسان.
التجديد المستمر يحارب التقادم والبلي، وهما حالتان فى غاية من الخطورة، والتحسين المستمر للعقل يجعل الإنسان يبدع، ويوقف النزيف العقلي، والإقالة العقلية، أو الاستقالة العقلية المستمرة فى حياة الشعوب، أما التطوير المستمر فهو نتيجة التجديد والتحسين، فلا تطوير بدونهما، ولهذا أبعث إليكم هذه التوجيهات التى يمكن أن تكون مضافة إلى ذاكرتكم المهمة:
أولا:
كن مجدّدا، ومبدعا، ولكن يجب أن نوكد أن أفضل تجديد فى حياة البشر يكون من الداخل، وما أروع الحديث النبوي القائل: (جدّدوا إيمانكم)، وفى قوله عليه الصلاة والسلام (إن الإيمان ليخلق فى جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق)، والتجديد حين ينطلق من الداخل، تكون الحياة مستمرة بشكل أفضل.
ثانيا:
خطط مشروعا متكاملا لتحسين العقل، فالعقل هبة الرحمن للإنسان دون غيره، ولكن العقل الكسبي أفضل كما معلوم من العقل الوهبي، خطّط لتحسين نوعية التفكير، وتعلم التفكير النقدي، وانطلق فى قراءة الكتب ذات الجودة العالية من الفكر، ولا تكرّر ذاتك فى ما علمت فشله، وكن مفكرا، ولا تكن عاقلا فقط.
ثالثا:
طوَر قدراتك الفكرية، وقدراتك فى الكتابة، والخطابة، بل واستمع إلى المحاضرات القيمة حول تطوير قدرات الإنسان فى التحليل، والقراءة، بل وطوّر قدراتك فى الفهم السريع، ولا تكن كما كنت سابقا، ولا تعش مع الناس كما يريدون أن تكون، ولا تقارن بين المختلفين، ولكن ادرس كل حالة كما هي، ولكن لا تكن لها، بل حاول أن تتجاوز عنها.
رابعا:
انظر إلى المستقبل بقوة، واستعد لمفاجآته، ولا تقلق من الجديد، ولكن لا تتهرب منه، فالجديد نتيجة عمل، وليس ناتجا من لا شيئ، وتعلم من التاريخ الدروس والعظات، ولا تكن بلا ماض، وكن حذرا من الوقوع فى قفص الماضي بدون أن تأخد منه التجارب النافعة، فتكون نسخا مكررة للماضي، ولكن خذ منه العبرة حتى لا تمرّ أخطاء الماضي بلا تمحيص، وتأمل قوله تعالى (تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون).
إن الحياة من خصائصها التغير المستمر، ومن خصائص الإنسان الفهم المتجدد، وبين التغير والفهم التربية، والتربية نوعان، تربية ناجحة، وهي التى تعدّ الإنسان لفهم الحياة ليقوم بصناعة المستقبل، وتربية فاشلة، وهذه تجعل الإنسان يعيش فى الماضى بعقل التاريخ، ولا يستعد للمستقبل.
نحن نعيش حتى اليوم تحت تهديد (الفتنة) ولكن التربية عندنا لم تصنع المنهج السليم فى الوقاية من الفتنة، الوعظ وحده، أوالتحذير المستمر من الفتنة ليس حلا كذلك لوحده، فلا بد من منهج تربوي وفكري وسياسي يجعل الإنسان يعي دور الفتنة، ولكن بعد أن نصحح مفهوم الفتنة فى الوحي، وليس فى الفكر الإسلامي الذى تم صياغته فى مجالس المخابرات قديما وحديثا.
الغرب نجح فى صناعة دولة محايدة، ونحن نجحنا فى صناعة دول قبلية، ولهذا نشكو حتى اليوم من الدول الهشة، بينما غيرنا يبتعدون عن هشاشة الدولة، هل السبب هو الفتنة؟ أم السبب هو نوعية التفكير؟ وغياب المنهج التربوي السليم؟
هذه قاعدة مهمة فى التربية، لا تطوير بدون تحسين، ولا تحسين بدون تجديد ، فالحياة التى توقفت عندنا فى عتبة الماضى لن يتحرك فيها إنسان نحو المستقبل ما لم نجدّد الداخل بقوة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
- د. عبد الرحمن بشير يكتب: عدنان إبراهيم بين النقد والقدح - الجمعة _24 _مارس _2023AH 24-3-2023AD
- د. عبد الرحمن بشير يكتب: في لحظات التيه.. يغيب العقل - السبت _18 _مارس _2023AH 18-3-2023AD
- د. عبد الرحمن بشير يكتب: دورة في القراءة السياسية - السبت _25 _فبراير _2023AH 25-2-2023AD