- د. عبد الرحمن بشير يكتب: العقول بين الاحتلال والاستقلال والإبداع - الثلاثاء _5 _يناير _2021AH 5-1-2021AD
- د. عبد الرحمن بشير يكتب: الأمة بين التدين المغشوش والعلمانية الجائرة - الجمعة _18 _ديسمبر _2020AH 18-12-2020AD
- د. عبد الرحمن بشير يكتب: فتاوى علماء السعودية حسب الطلب - السبت _28 _نوفمبر _2020AH 28-11-2020AD
إن الذهاب إلى القرار بإغلاق المساجد في بعض البلدان عبث سياسي، وليس اتباعا لفتوى العلماء الذين أفتوا بإغلاق المساجد بشروط، فالإغلاق ليس مرتبطا بالعمل الإداري، وإنما مرتبط بحسابات دقيقة من الفقهاء الذين يربطون الفتوى بدراسة المسألة بأبعادها الفقهية، ومآلاتها العملية، ومستجداتها الزمانية والمكانية، وتفاعلاتها المحلية بالعالمية، ويستفيدون من خبرة الخبراء الذين يقررون بأن الفساد واقع، وليس متوقعا، وحقيقي وليس متوهما، ويفرق العلماء بين ما هو من الواقع، وما هو متوقع، فالأول قد يكون له حكم، بينما يكون للثاني حكما آخر، ذلك لأن دفع الفساد شرعًا مقدم على جلب المصلحة، وقد يكون الفساد واقعا وحقيقيا، وقد يكون الفساد متوقعا وظنيا ، وأن الضرر يزال ، ولكن لا يزال الضرر بمثله، بل يزال بما هو أدنى منه وأخف، فإن كان ممكنا بزواله ذلك فلا سبيل إلى صناعة ضرر أشد، وأن المشقة تجلب التيسير، ولكن فلا بد من وجود مشقة حقيقية، ولكن من العيب إغلاق المساجد، وترك الأسواق مفتوحة، والبارات والمطاعم كذلك تستقبل الزبائن، فهذا ليس من العدل، بل هو الظلم بعينه.
هناك حلول عملية وتنظيرية قبل الذهاب إلى الإغلاق، قد يكون المسجد مفتوحا كمؤسسة لها دور في تقوية الروح، ولكن لا تقام فيه جماعة، وقد تقام فيه جماعة، ولكن بشكل مختلف، فالمسافات قد تكون متباعدة، وهذا جائز للضرورة وأفتى بذلك بعض العلماء، وقد تقام الصلاة فرديا إذا كانت الجماعة تؤدى إلى مشاكل صحية، وقد يمنع من المسجد كبار السن، والأطفال، والذين يعانون من أمراض خطيرة، وكل ذلك ممكنا برفع الوعي عند الأئمة والسلطات الروحية، وعند المواطنين ويكون آخر ما نفكر فيه إغلاق المساجد، وطرح بعض العلماء الكبار مثل العلامة، فضيلة الشيخ الددو حفظه الله بدائل كثيرة عن إغلاق المساجد مثل تقليل المصلين، ونقل الخطبة من خلال الإعلام من المسجد، ووجود أشخاص قليلة في المسجد، والناس يصلون الجمعة في البيوت، وللشيخ حفظه الله اجتهادات في هذا الباب رائعة.
لقد أفتى كبار العلماء فى ترك الجمع والجماعات بشرط واحد ، أن يتحقق الضرر الواقع على الناس، فالإسلام جاء لمصلحة العباد في العاجل والآجل، وهذا الكلام علمي، وليس سياسيا، فلا بد من تحقق الضرر، فإذا انتفى الضرر فلا يجب ترك الجماعة والجمع، ولكن يتعيّن على المرضى وكبار السن والأطفال ترك الجمع والجماعات، لأن الضرر متحقق فيهم كما ذكر المتخصصون في هذا المجال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (لا ضرر، ولا ضرار)، ولكن لو أصبح المرض عاما في الوطن، فإنه يصبح بعد دلك متعينا على الجميع ترك الجمع والجماعات، ولكن سياسة إغلاق المساجد ليست مفيدة بدون سبب شرعي أو طبي راجح، فلا مناص في ترك المساجد مفتوحة، وخاصة أن ترك الجمع والجماعات ليس من شأنها إغلاق المساجد، فالمسجد يجب أن يكون مفتوحا، كما أن المطاعم يجب أن تكون مفتوحا، لدينا في كندا مطاعم مفتوحة، ولكنها تقدم خدمات للناس بدون أن يجلسوا فيها، فهناك حاجة لذلك، ولكن هذا يتطلب عملا ينبني على الفقه، وليس على البيانات فقط.
إن الفقه يجب أن ينطلق من النص الديني، ومن الواقع، ومن فقه التنزيل ، فهناك بلاد ليست بحاجة إلى الإغلاق، وحسنا فعل بعض العلماء في كينيا حين أعلنوا بأن المناخ الصحي في كينيا ليس مخيفا إلى درجة تؤدى إلى إغلاق المساجد، وكذلك في الصومال، والسبب هو أن فتوى إغلاق المساجد ليست عامة، بل هي خاصة، وأن الفتوى يجب أن تراعى الزمان والمكان بخلاف المسائل العلمية، فإن المجالس العلمية في أمريكا الشمالية، وخاصة في كندا قررت إغلاق المساجد، لأن جميع الحياة في كندا شبه متوقفة، فجميع المطاعم ما عدا الخدمات من خلال النوافذ المتخصصة، والبارات ودور السينما، والمكتبات ودور النشر مغلقة، بل وتم تفريغ مكاتب الدولة من العمال، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في البلد، ومن هنا كان العزم واللازم إغلاق دور العبادة حتى لا يتضرر العبّاد من وجودهم في المساجد والكنائس، وهذا مما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأعراف والأشخاص، لأن الفتوى متأثرة بالواقع أكثر، بينما المسائل العلمية متجاوزة للأشخاص والأزمنة والأمكنة، وهذا يجب ملاحظته عند التنزيل.
في هذه المسألة يجب ملاحظة فقه الموازنة عند التطبيق، وفقه الأولويات عند التنزيل، فلا مكان لتطبيق سياسة الاستيراد، وفعل ما تم فعله في الخارج بدون دراسات ميدانية في الداخل، ومع هذا فالإنسان هو المحور، فالشريعة جاءت لصلاح الأبدان، ورعاية الأديان.