من النصائح التي توجه دوما للكاتب والقارئ على حد سواء أنه لابد أن يكتب ويقرأ ما يناسب «روح العصر».
هذه نصيحة ذهبية ولا يمكن التشكيك فيها، لكنها تحتاج على ما يبدو إلى قدر من الحذر.
فلو كنت كاتبا في العلوم الإنسانية والاجتماعية فإن أقل الموضوعات التي تجد رواجا اليوم هي الموضوعات التي «زهق وطهق» القارئ من إفساد معانيها
وعدم جدوى تطبيقها وإثارة الخلاف حولها مثل:
الديمقراطية، والتعددية، وإعادة تفسير التراث الفكري، وحقوق فلسطين، ومقاومة التدخل الأجنبي، والهزيمة الثقافية،
والحفاظ على الآثار من النهب والسرقة والاستعمار الأجنبي للبعثات الأوروبية،
والعناية بالتاريخ الوطني والإقليمي وتوثيق جغرافية الأمكنة في معاجم وقواميس وموسوعات.
يعتقد الناس أنهم يوفرون أموالهم حين يتوقفون عن شراء الكتب
لأنهم يطالعون الفيسبوك ومواقع الإنترنت، والحقيقة أن هذه أكذوبة كبرى،
فشركات الإنترنت تسرق جيوبنا بأكثر مما ننفق في الكتاب المطبوع، لو كان كتابا حقيقيا.
دور النشر تريد أن تكسب «روح العصر» فترفض الأعمال التي تعتقد أنها «لن تبيع».
فالأعمال التي تبيع هذه الأيام أعمال خفيفة للغاية:
روايات وقصص وحكايات، تجارب الانتحار والحب والجنس اللطيف، معالجات خفيفة مثل الوجبة السريعة لما نسميه تاريخ أو سياسة أو ثقافة، كرة قدم ومطبخ وتنمية بشرية لا يأخذ بها أحد.
وفي ظل ذلك يصعقك أن كل منافذ بيع الكتب في وسط البلد كي توازن الخفيف والثقيل إذ بها تتربح من إعادة طباعة الكتب التي أصدرها مؤلفون راحلون قبل 30 أو 50 سنة وكأن هذا البلد نضب من مبدعيه.
هذه أيضا واحدة من روح العصر الكاذبة،
فالكتب التي مات أصحابها وتقول كلاما ثقيلا واعيا لم تعد تزعج أحدا في الرقابة الفكرية لأن موضوعاتها وأصحابها صاروا من «تراث التاريخ».
وبالتالي، لا تصدق أنك عصري إذا كنت تكتب وتقرأ موضوعات يبدو في ظاهرها أنها من «روح العصر»!
- د. عاطف معتمد يكتب: كن حذرا من «روح العصر»! - الأثنين _20 _يونيو _2022AH 20-6-2022AD
- د. عاطف معتمد يكتب: «بير حكيم» في باريس! - الخميس _9 _يونيو _2022AH 9-6-2022AD
- د. عاطف معتمد يكتب: صمت الجنون! - الأربعاء _8 _يونيو _2022AH 8-6-2022AD