الاحتجاج بالقدر يكون على وقوع المصائب لا على فعل المعايب وترك الواجبات
قد يصادف الداعية المسلم والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، من يحتج بالقضاء والقدر على ما وقع فيه،
فقد يقال له: لما لا تصلي؟ فيخرج لسانه ليقول: الله قضى وقدَّر ألا أصلي،
ويقول من دهس بعجلات سيارته طفلا فمات، قضاء وقدر، أي يحتج على معصيته وتقصيره، وعدم قيامه بالواجبات الشرعية بالقضاء والقدر.
ومما يدلَّ على فساد الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي أو ترك الطاعات؛
قول الله تعالى:
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ)
الأنعام:39،
فهؤلاء المشركون احتجوا بالقدر على شركهم، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه، فمن احتجَّ بالقدر على الذنوب والمعائب فيلزمه أن يصحح مذهب الكفار، وقد احتج لص على سرقته بالقضاء والقدر،
«وقد جيء إلى عمر بن الخطاب بسارق، فقام ليقطع يده، فقال: يا أمير المؤمنين إنما سرقت بقدر الله، فقال له: ونحن إنما نقطع يدك بقدر الله..
ولمَّا قال أبو عبيدة بن الجراح لعمر بن الخطاب في الطعون الذي وقع بالشام: أَفِرَاراً من قدر الله؟ فقال عمر: نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله»
أخرجه البخاري ومسلم.
ويقال للمحتج لماذا لا تجلس في بيتك وتحتج بالقدر في نيل ما تحرص عليه من أمور الدنيا،
فمثلاً: لا تتزوج، فإن كان الله قد قضى لك بولد فسيأتيك، وإذا مرضت فلا تتداوى ولا تذهب للطبيب،
فإن قدًّر الله لك الشفاء شفيت، والذين يحتجون بالقدر لظلمهم ومعاصيهم فإنهم يثورون إذا ما وقع عليهم الظلم،
ولا يرضون ممن يحتجّ على ظلمه لهم بالقضاء والقدر، فإن صادفك واحد من هؤلاء فاصفعه على وجهه وقل له: إنما صفعتك بقضاء الله وقدره، فعندها سينتهي من ضلاله.
إنَّ السعيد من يستغفر ربه ويتوب إليه من المعاصي والذنوب، ويصبر على ما يصيبه من الابتلاءات والمصائب:
(الذين إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) البقرة: 156،
(فاصبر إنَّ وعد الله حق واستغفر لذنبك) غافر:55.
فالآية بينت أن الصبر يقابل الابتلاء النازل بك.. وأما المعصية فيقابلها الاستغفار الذي يجعلك تتخلص من عقوبتها.
وقال تعالى: (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) آل عمران:186،
وقـال: (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) يوسف: 90،
فذكر الصبر على المصائب،
والتقوى بترك المعائب، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان»،
وأمَّا الشقي فإنه يسخط ويجزع عند المصائب، ويحتج بالقضاء والقدر عنما يقترف معصية أو يترك واجباً شرعيا، أو يقصر في أداء أمانة.
والعبد المؤمن لا يترك العمل بدعوى أنَّ قدر الله ماض فيه، بل الواجب عليه أن يأخذ الأمر بقوة، فيعلم ما يطلبه الله منه، ويفكر فيما يفيده وينفعه،
ثم يبذل قصارى جهده في القيام بأمر الله، وبالأخذ بالأسباب المشروعة، فإذا لم يوفَّق فلا يتحسر ويتأسف، وإنما يقول قدَّر الله وما شاء فعل.
- د. صالح الرقب يكتب: مذهب السلف إثبات جميع الصفات الإلهية - الأربعاء _8 _يونيو _2022AH 8-6-2022AD
- د. صالح الرقب يكتب: الاحتجاج بالقدر - الجمعة _3 _يونيو _2022AH 3-6-2022AD
- د. صالح الرقب يكتب: الفرق بين الشفاعة والرحمة - الأحد _15 _مايو _2022AH 15-5-2022AD