يحرص الاستبداد على صرف نظر المقهورين عن حقيقة عدوهم الأصلي والأخطر، ألا وهو الاستبداد نفسه،
فليس هناك ما هو أشد خطورة على الأمة من أن تعيش حاضرا مشبعا بالتخويف من عدو، هو في واقع الأمر،
حتى لو افترضنا خطره، أشد هدما لأي مجتمع من أجواء قهر يعيشونها، ومناخ ظلم يحيط بهم،
ومن هنا تشتد حاجة المستبد إلى اختلاق عدو آخر، ينصرف إليه اهتمام المقهورين، فلا يتجهون إلى المستبد والمستبدين.
ولعل ما ساد العالم في الأزمنة المعاصرة من كيانات مخيفة، تسبب دمارا، وتزهق أنفسا مثل «القاعدة» و«داعش»، وغيرهما لخير مثال توصلت إليه العقلية الشيطانية لقوى القهر والنهب العالمية،
حيث تؤدى حالة التخويف العامة إلى استقطاب الجهود والأموال لمحاربة هذا الإرهاب، الذي يكون حقيقيا، ومزهقا لكثير من الأرواح،
لكن، لو تأملنا، على سبيل المثال، فى الصورة المعاصرة لهذا العدو العالمي، وهو «داعش»، فينبغي أن نلاحظ أمرين:
أولهما، الربط الدائم بين الإسلام والإرهاب، وهذا مما يترتب عليه آثار بعيدة المدى، من انصراف عن تطبيق الكثير من المبادئ والشرائع الإسلامية، حتى لا يعم الإرهاب، ويكثر الإرهابيون ..
ثانيهما: أنه لا يتجه إلى كل من الكيان الصهيوني، ولا الكيان الأمريكي بصفة خاصة،
ولو كان المنضوون تحت الراية الإسلامية إسلاميين حقا، لاتجهوا بأعمالهم إلى هؤلاء وهؤلاء..
ولو كان هؤلاء إسلاميين حقا،
لأدركوا أن التغلب على العدو لا يكون بترويعه وقتله، إلا إذا بدأ هو بالعدوان، وأن الأوْلى من ذلك هو بذل الجهد للبناء والتقدم، ونشر السلام،
فتشجيع الآخر على الإقبال على فكرك، يكون بأن تكون نموذجا في الديمقراطية، والتنمية، والتقدم الحضاري،
لا الترويع والقتل والتدمير، وإن كنا لا نستطيع أن ننكر قصور تفكير البعض فى ساحة المجالات الإيجابية السلمية،
حيث يقوم إعلام التزييف للوعي العام بالتأكيد على هذا، وينخدع مسطحو العقول، فينساقون وراء دعاوى زائفة..
وقد وجدت بعض النظم المستبدة في هذا الخطر العالمي المصنوع، فرصة لها كى تصنع مثله، وتنهج النهج نفسه،
فكل حادثة، وكل مكروه، وكل تقصير، يُدفع به دائما إلى إرهابيين فى الداخل، فيكون هناك منطق لتأجيل كثير من القضايا الأهم.
من هنا يصبح التأجيل حتميا لكل ما يتصل بحقوق الإنسان، وما يتصل على وجه العموم ببناء البشر، ليتجه أكثر إلى بناء القوة المادية،
لا من حيث المصانع والزراعات، وإنما من حيث فتح بلاعة التسليح، ولم لا ؟ والوطن يكون مهددا في وجوده؟
إن هذا ليذكرنا بما كان يفعله عدد من آبائنا، منذ زمن بعيد نسبيا،
حيث كانت هناك طيور تهاجم بعض الزراعات، فيخسر المزارعون الكثير من محصولهم،
فكان أن لجأوا إلى صنع أشكال خشبية تمثل آدميين، يرفعونها فى مكان عال، حتى تظن الطيور المهاجمة،
أن هناك حراسا يحرسون الزرع، وأنهم يتربصون بالطيور المهاجرة، فينصرفوا عنها،
وهو ما كان مزارعونا يسمونه «خيال مآتة»؟!
بل كان أهلنا، من فرط حرصهم على سلامتنا ونحن صغارا،
في فترة لم تتوافر فيها سبل الإضاءة من أعمدة كهربائية الآن، وكثرة حركة من الناس، فيصيحون بنا دائما «اوع العفريت»،
لكن الفرق هنا أن أهالينا كانوا ينطلقون فى هذا التحذير من عدو وهمي، لكن من مطلق حب حقيقي،
وإن لم يكن رشيدا، نظرا لما كان يسود من سذاجة تفكير..
- د. سعيد إسماعيل يكتب: اختلاق عدو - الأربعاء _26 _أبريل _2023AH 26-4-2023AD
- د. سعيد إسماعيل يكتب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان - الخميس _20 _أبريل _2023AH 20-4-2023AD
- د. سعيد إسماعيل يكتب: أهم غاية للشرع الإسلامي - الأثنين _17 _أبريل _2023AH 17-4-2023AD