- تجربة تربوية رائعة.. لم تكتمل؟! - الأربعاء _3 _مارس _2021AH 3-3-2021AD
- أغان تندد بـ«الاستبداد» - الخميس _21 _يناير _2021AH 21-1-2021AD
- سواد العَلَم - الأربعاء _23 _ديسمبر _2020AH 23-12-2020AD
في أواخر التسعينيات من القرن الماضي على وجه التقريب، كنت منتدبا لتدريس ذلك المقرر الذي أعشقه ( فلسفة التربية ) لطالبات الدبلوم الخاصة، ببنات عين شمس، وكان من المعتاد أن نكلف الطالبات ببحث فى نطاق المادة لأعمال السنة..
هنا خطرت لي فكرة..
إذا كان تعليم الفلسفة الأفضل هو تعليمها (كعملية تفكير)، وليست مجرد نسق معرفي، فلِم لا أجعل هذا الاتجاه حقيقة واقعة، وبدلا من أن نُكلف الطالبات بدراسة عن هذا المربى أو ذاك من فلاسفة التربية ومفكريها، أن نجعل كلا منهن موضوع تأمل وتفكير وتحليل، من خلال مسارها التربوي؟
انتظرت إلى أن مر ما يقرب من ثلاثة أو أربعة شهور على بدء الدراسة حتى تكون الطالبات قد دخلت الطمأنينة قلوبهن من ناحيتي، والثقة في شخصي، حيث أن فكرة مثل هذه المطروحة تتطلب صدقا بأعلى درجة ممكنة، وهذا يصعب الحصول عليه إلا بتوافر اطمئنان وثقة في الأستاذ..
أعلنت الفكرة للطالبات، تاركا لهن حرية الاختيار بين هذا الاتجاه، وبين الاتجاه التقليدي بالكتابة عن أحد فلاسفة التربية في العصر الحديث..
بالنسبة للاتجاه المقترح، حددت نقاطا متعددة، مثل:
– خبرة كل مرحلة من مراحل التعليم السابقة، أيضا من حيث الاتجاه نحو المقررات المدروسة، والمعلمين ، والإدارة، والزملاء، والامتحانات
– شبكة العلاقات داخل الأسرة: مع كل من الأب، والأم، و الإخوة، والأقارب.
– العلاقة بمصادر التثقيف والإعلام والترفيه.
– الخبرة الزواجية، بالنسبة لمن تزوجن.
– الموقف من بعض التيارات الفكرية ، إذا توافر ذلك…إلخ
– الخبرة العاطفية..
وفوجئت بأن الكثرة منهن قد اخترن هذا الاتجاه، وإن صارحني بعضهن بأنهن في الحقيقة اخترن هذا الاتجاه تصورا لسهولته، قياسا بكتابة بحث، ثم اكتشفن أنه كان أصعب، حيث وجدن أن وقوف الإنسان عاريا أمام مرآة نفسه..متأملا، ومحللا..ومقَيِّما ، مسألة صعبة للغاية..
وتجمعت عندي عشرات الملفات عبر ما يقرب من سنتين..ثم طرأت لدىّ فكرة بعد ذلك..
تلخصت الفكرة في أن تكون هذه الملفات موضوع كتاب ..
وحتى لا أكشف عن هويات الباحثات، قررت ألا أكتب الكتاب إلا بعد فترة
لكن الفترة طالت، ولم تتحقق الأمنية..
كان أبرز أسباب التعطل، أنني كنت قد نويت أن أتخذ من كل زاوية مما أشرت إليه، لأسير بها بين كل الملفات، ومن ثم تتوه معالم هذه الشخصية أو تلك مما يجعل صاحبتها في مأمن من التعرف على حالتها، فتكون العلاقة بالأم أو الأب محورا، أغوص من خلالها في عشرات الملفات.. وهكذا
ومنذ ما يقرب من عام، وجدت نفسي أنظر بحسرة شديدة إلى هذا الكنز (المقبور) في مكتبتي، فعزمت على تنفيذ الحلم..
ثم إذا أبى أجد أن السنين، إذ تقادمت، أصبح حال الشباب مختلفا كثيرا، وما يتصل بهذا من شبكة علاقات وخبرات، ومن ثم تكون الاستفادة أقل كثيرا مما هو متوقع..
كذلك لم أجد الأمر سهلا أن أمسك بخيط زاوية ، ثم أتتبعها وحدها في كل الملفات..
وفضلا عن ذلك ، فقد كانت الملفات بخط اليد، حيث لم تكن الكتابة الكومبيوترية قد ظهرت أو شاعت، فإذا بخطوط بهتت معالمها، وأجد بعض العسر في القراءة..
قاومت ..وكتبت بالفعل ما يقرب من ستين صفحة، ثم إذا بالهموم والشواغل والأحوال تقعدني عن استكمال الحلم..
وعندما أيقنت أن تحقيق الحلم أصبح مستحيلا، بحكم التدهور الصحي وكبر السن، آثرت تمزيق الملفات، حتى لا يتسرب ما فيها إلى أحد..