كنت وعدت قبل عام أن أحكي لأحبابي تتمة قصتي مع شيخي ومعلمي الجليل عبد الرحمن أيوب -رحمه الله وغفر لنا وله- بعد ما قبلت تأجيل مناقشة الماجستير حولا كريتا إرادة التجويد وقضاء الفوائت.
وأصبحت الرسالة جاهزة لا ينتظر لها إلا تشكيل لجنة المناقشة.
ولقد خفت -والمخافة هنا واردة- أن يطول بي الانتظار وأفضيت لشيخي -رحمه الله- بذات النفس فقال: لا تقلق! الليلة نشكل اللجنة.
ثم إنه هاتف أستاذنا الدواخلي وقال له نصا: «سعد خلص الشغل وعايزين نشكل اللجنة.
فإما نجيلك البيت أنا وهو أو تشرف عندي أو نلتقي في أرض محايدة. اختار اللي يعجبك».
انتهى الأمر بحضور الأستاذ الدواخلي إلى منزل الدكتور أيوب.
وكان مشهدا عجيبا دمعت له عيناي.
جلس الأستاذ الدواخلي على أحد الكراسي وجلست على كرسي بجواره.
أما الشيخ الجليل الأستاذ الدكتور أيوب فأبى إلا أن يعتمد على ركبتيه بيننا، وكان يأخذ مني الأوراق وصور التجارب ويعرضها على الأستاذ الدواخلي شارحا ومبينا،
وكلما حاولت الوقوف أو التخلي عن الكرسي زجرني ومضى يستكمل الشرح وهو على هذا الوضع المتعب فوق نصف الساعة..
وما إن انتهى حتى قال: الآن علينا أن نشكل اللجنة.
شاهدت سيما الرضا والإعجاب بالعمل على محيا الأستاذ الدواخلي.
واتفقا في اللحظة على أن تشكل اللجنة منهما وأن يكون الثالث هو الأستاذ شارل كوينز وهو مستشرق فرنسي كان عضوا بمجمع اللغة العربية
(أو عضوا مراسلا. لست على يقين. وله قصة قد نأتي إليها في قابل، وله اهتمام خاص بالجغرافيا اللغوية، ولعلها المرة الأولى والأخيرة في تاريخ دار العلوم إذ يرشح لمناقشة الرسالة مستشرق).
غير أن الرجل أصابه المرض وطالت به الرقدة فقرر شيخي أن يبدلني عضوا آخر فوقع اختياره على شيخنا العظيم تمام حسان وقد استشعر الدكتور أيوب أن أستاذنا الدكتور بشر كان يرى أنه الأولى بذلك.
لكنه بطبيعته التي لا تعرف المجاملة في العلم آثر اختيار الدكتور تمام لأن الرسالة في الصوتيات وهي التخصص الأصيل له.
أما المفاجأة التي أذهلتني فقد عشتها حين أمرني الدكتور أيوب بأن أحمل الرسالة إلى الدكتور تمام في منزله قبل أن يعرض التشكيل رسميا على مجلس الكلية وفي الاجتماع قال للمجتمعين ضاحكا: لقد اغتصبت سلطتكم وفعلت كذا وكذا حتى لا نعطل الطالب.
فقال قائل منهم: على خيرة الله. ربنا يوفقه.
وهكذا كان الناس في زمن مضى.
- د. سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (4).. رِزْقٌ حَسَنٌ على غير احتساب - السبت _13 _مايو _2023AH 13-5-2023AD
- د. سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (3) {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا} - الأربعاء _19 _أبريل _2023AH 19-4-2023AD
- د. سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (2) - الأثنين _17 _أبريل _2023AH 17-4-2023AD