أحدثكم -أيها الأحباب- في هذه العجالة عن موقف ربما يبدو عجيبا بمنطق زماننا هذا، وصاحبه هو الشيخ الجليل عبد الرحمن أيوب غفر الله له.
أذكر أنه في عام ١٩٦٨ اعتزمت مجلة «المجلة» إصدار عدد خاص عن الدراسات اللغوية،
ورغب رئيس تحريرها القاص والناقد العظيم يحيى حقي إلى الدكتور أيوب أن يختار من يقوم بكتابة عرض لكتاب له ضئيل الحجم عظيم العوائد هو كتاب «العربية ولهجاتها».
أما واسطة الأستاذ حقي إلى الشيخ فكان الصديق الجميل والشاعر الفذ الأستاذ الحساني عبد الله أحسن الله إليه وكتب له أجر المحتسبين.
وكان مجال الاختيار أمام شيخنا الجليل واسعا وهناك الكثير من الكبار ممن يتمنى أن ينهض بهذا الأمر.
فماذا كان؟! لقد رشحني الدكتور أيوب للمهمة متخطيا بذلك كثيرا من الرقاب.
وكنت لا أزال معيداً صغير السن، ونعم فاجأني التكليف وباغتني. بيد أني شمرت له وأنجزته، ثم ذهبت به لأعرضه عليه قبل أن أدفع به إلى المجلة. ودار بيننا حوار لا أزال أذكره بتفاصيله:
قلت: أستاذنا! لقد أنجزت عرض الكتاب ٠أرجو أن تقرأه قبل إرساله إليهم.
قال: ولماذا أقرؤه؟. قلت لاستدراك أو تصويب أو تعديل ، فالأمر لا يخلو من الاحتمال
قال رحمه الله: اذهب به إليهم وسأقرؤه بعد نشره مع سائر الناس.
عبثا حاولت أن أجعله يقبل قراءة الكلام قبل النشر ، فدفعت به إلى المجلة على شيئ من التردد والوجل.
ويا لسعادتي حين ظهر العدد وقرأ الشيخ ما كتبته ثم جاء إلى الكلية في صباح اليوم التالي ليقول لي ضاحكا، وهو الشيخ المهيب الذي تخشى بوادره ، أمام ثلة من الزملاء والأصدقاء:
تتصور؟ أنت طلعت فاهم الكتاب أحسن مني.
قطعا لم يكن الأمر على ما قال. وما كان لي أن أحمل كلماته هذه إلا على المحمل الصحيح،
وهو إرادة التعبير عن الإعجاب والتشجيع لشاب صغير يخطو خطواته المترددة الهيوب في طريق متوعرة المسالك. مشتبهة الدروب.
ولكنه رحمه الله أهداني بكلماته هذه شيئا من الثقة بالنفس مازلت مدينا له به في حياتي كلها إلى يوم الناس هذا.
رحمات الله ورضوانه عليك يا شيخي العظيم!
- د. سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (4).. رِزْقٌ حَسَنٌ على غير احتساب - السبت _13 _مايو _2023AH 13-5-2023AD
- د. سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (3) {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا} - الأربعاء _19 _أبريل _2023AH 19-4-2023AD
- د. سعد مصلوح يكتب: من الحقيبة (2) - الأثنين _17 _أبريل _2023AH 17-4-2023AD