المقصود بالكوارث الطبيعية هنا هي تلك الحركات التي مصدرها الطبيعة من طوفان وخسف وزلزال ورياح عاتية، والتي يترتَّب عليها دمار للمدن والأبنية والممتلكات والأموال والأبدان..
بداية نحن أهل التوحيد نجزم جزماً قاطعاً أنَّه لا يحدث شيء في هذا الكون من صغيرة ولا كبيرة حتى تحرُّك الذَّرة في هذا الكون إلا بعلم الله ومشيئته وقَدَره السابق على حدوثها..
ففي الصحيح: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ».
فكل حركة تحدث في هذا الوجود المخلوق مكتوبة ومُقدَّرة في علم الله.
قال الله: «وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ».
فكل ذرة وما أصغر منها، وما أكبر فهو في كتاب..
وقال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.
ولا شك أن الطوفان والزلازل والحرائق والرياح العاتية والتي يتولَّد عنها مصائب وكوارث إنما هي بما كسبت أيدينا، وليست العقوبة موازية تماما لما كسبناه، بل هي أقل مما نستحق… ويعفو عن كثير.
ولا يلزم أن يكون كل من نزلت به مصيبة أو هلاك من تلك الكوارث يستحق هذه المصائب..
قال الله: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»
والفتنة هنا البلاء والعذاب مما يصيب الظالم وغير الظالم.
وفي الحديث الصحيح:
فقالت زينبُ: يا رسولَ اللهِ! أنَهْلِكُ وفينا الصالِحونَ؟!
قالَ: “نعم؛ إذا كَثُرَ الخَبَثُ”.
والخبث هو: فعل الكبائر من الفسوق والفجور.
وكان عمر بن عبد العزيز يقول:
«إن اللَّهَ تعالى لا يُعَذِّبُ العَامِّةَ بِذَنْبِ الخَاصَّةِ، ولكِنْ إذَا عُمِلَ المُنْكَرُ جِهَارًا، وَلَمْ يُغيِّرُوا ، اسْتحَقُّوا العُقُوبَةَ كُلُّهُمْ».
وقال الحسن البصري: «إنّما عَقَرَ نّاقةَ ثمود رجلٌ واحدٌ، أجير ثَمُودَ، وَعَمَّهُم اللهُ بالعقوبةِ؛ لأنّهم عَمُّوا فِعْلَهُ بالرِّضَا»
وإذا هلكت العامة بذنوب الخاصة بعث الله الصالحين على نياتهم.
والمراد أنه يقع الهلاك بقومٍ، فيهم مَنْ لا يستحق ذلك.
عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ فَخَطَبَ لِلنَّاسِ، وَقَالَ: «لَئِنْ عَادَتْ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيكُمْ».
وقول عمر هذا يدل على أن الزلزلة بسبب المعاصي والذنوب..
وأما حديث:
«أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَا عَذَابَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ، إِنَّمَا عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا فِتَنٌ وَزَلَازِلُ وَبَلَايَا».
فهذا حديث قد صحَّ أوله (أمة مرحومة)، أما آخره ففيه اختلاف كبير في ألفاظه مثل:
«أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ جعل عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا فِتَنٌ وَزَلَازِلُ وَبَلَايَا».
«أمتي أمة مرحومة، جعل اللهُ عذابَها بأيديها».
«أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، مُتَابٌ عَلَيْهَا، تَدْخُلُ قُبُورَهَا بِذُنُوبِهَا، وَتَخْرُجُ مِنْ قُبُورِهَا لَا ذُنُوبَ عَلَيْهَا.
«أُمَّتِي أَمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، قَدْ رُفِعَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ، إِلَّا عَذَابَهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ».
«إنَّ أُمتي أُمةٌ مَرحومةٌ، لا عذابَ عَليها في الآخرةِ، جعلَ اللهُ عذابَها في الدُّنيا القتلَ وأَشباهَهُ»
«إِنَّ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةً مَرْحُومَةً مُقَدَّسَةً مُبَارَكَةً لَا عَذَابَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّمَا عَذَابُهُمْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْفِتَنِ».
في هذا الحديث تخصيص جماعة من الأمة وليس الأمة كلها.
وهذا الاضطراب يجعل الحديث ضعيفا..
- د. خالد عبد القادر يكتب: مهلاً أنصار إيران - الجمعة _17 _فبراير _2023AH 17-2-2023AD
- د. خالد عبد القادر يكتب: هل الكوارث الطبيعية عقوبة أو ابتلاء؟ - الخميس _9 _فبراير _2023AH 9-2-2023AD
- د. خالد عبد القادر يكتب: القرضاوي كما عرفتُه «5» - الأحد _23 _أكتوبر _2022AH 23-10-2022AD