هناك بعض الجوانب التربوية التي قلما تسمعها في التوجيه السلفي المعاصر والمعتاد، فكثير من هذا الطرح يكرس في النفس التعامل مع الله عز وجل كعملية حسابية!
فأنت ذكرت الله كذا مرة تأخذ كذا حسنة، وصمت رمضان شهراً بعشرة أشهر، وشوال ستة أيام بستين يوماً؛ فتلك اثنا عشر شهراً كصيام الدهر كله، وفعلت أمر كذا وهو معصية فسيحدث لك كذا وكذا مقابل ذلك، تشعر أنك في ديوان الإيمان قسم الحسابات!
وحين رتب الشرع بعض الثواب كمقابل لبعض الطاعات إنما كان يلبي فطرة وطبيعة في الإنسان، وهي حب الأجر والمقابل، لكن أصل العمل الصالح أنه نتيجة طبيعية لمحبة الله ورسوله وتوقير وتعظيم أمر الله، وموعظة الرسول ﷺ.
وهذه الحسابية المادية اليابسة؛ رسخت في نفوس كثير من الناس معاملة الرب ﷻ معاملة التجار الجفاة، أو معاملة القضاة الظلمة والحكام الجلادين أو الجائرين حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
كما تسببت في توهين إيمان كثير من المسلمين، فهم يرون أنفسهم أعجز من أن يبلغوا تلك المنازل العالية والدرجات الرفيعة من الذكر والطاعات والإيمان، فأنى لهم أن يذكروا الله عدة مئات أو آلاف من المرات، وهل يقوون على مكافأة أفضال الله، أو القيام بجبال الطاعات لكي ينجو في الآخرة، لأنه لم يعلمهم أحد ألا يقارنوا أنفسهم مع غيرهم في الطاعات كما علموهم ألا يقارنوها بشؤون الدنيا، قال تعالى: (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم).
فيا أيها المؤمن:
إياك أن تقارن نفسك بغيرك فتستقل عملك قياساً به، وكثير مما يقال ويروى عن اجتهاد العالم الفلاني والعابد العلاني في أذكار وصلوات وعبادات قد تكون مبالغات في الأصل روجها مع التزيد فيها عباد البشر والغلاة فيهم من مريديهم
وحتى لو كانت حقائق فالذكر القليل ولو تسبيحة من قلب مخبت طائع أو عاصٍ تائب راجع؛ قد يكون أرجى عند الله بل قد يعدل ويفوق آلاف أضعافه؛ وذلك إما لقبول الله له أو لشيء قام بقلب العبد حال طاعته حباً لله وإخلاصاً لوجهه؛ ما لم يقم بقلب الذاكر الطائع.
فإياك أن يقيمك الله في حال من الخير فتطمح إلى غيره إذ أنت قائم فيه؛ تفضيلاً له عليه، أو طلباً لمقام العالم أو العابد أو الزاهد الذي تراه في مراقي العلى؛ فإنك قد لا توفق إلى غيره فالأمر كله لله وهو الموفق إليه، وليس جهداً مبذولاً مع التأكيد على عدم الدعة والركون أو التحول والنكوص.
- د. خالد سعيد يكتب: بين التعدي والتعبد في الدعاء - الثلاثاء _31 _يناير _2023AH 31-1-2023AD
- د. خالد سعيد يكتب: التوابون - السبت _21 _يناير _2023AH 21-1-2023AD
- د. خالد سعيد يكتب: الحق أحب إلينا - الثلاثاء _17 _يناير _2023AH 17-1-2023AD