قوة العقيدة والتمسك بها تمسك المتعصب حق، ولكن لابد معها من الرحمة بالمسلمين وخفض الجناح للمؤمنين، ولعل ذلك شبيه بالخوف والرجاء وهما كالساقين للإيمان لا يقوم إلا عليهما، بل هو فرع عنهما!
وسر ذلك أن المؤمن يخشى على دينه الذي هو عصمة أمره وسبيل نجاته، وهو كذلك يخشى على الدين كله أن يصيبه التحريف والتجديف؛ فيقوم عليه مقام الحراسة.
وهو كذلك يحب هذا الدين والقائمين به في الأرض؛ فيرجو أن يدخل فيه الناس أفواجاً فيحوزون هذا الخير الذي حازه والفوز الذي فازه، كما يرجو أن يحفظه الله على حملته نقياً كما أنزل على محمد ﷺ؛ فلا يضلون بعده أبداً!
فالمؤمن الذي يتعبد بالخوف؛ هو مؤمن لكن ينقصه شيء، والذي يتعبد بالرجاء؛ هو مؤمن، فأحد الحالين قد يغلب على قلبه فيهيم رجاءً وطمعاً أو يطير خوفاً وفرقاً.
ولكن الأكثر كمالاً من المؤمنين هو من يتعبد ربه بكليهما، وإن شئت اقرأ قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) السجدة ١٦
وقوله ﷻ: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء ٩٠
فانظر كيف قض الخوف مضاجعهم في (الأنبياء) حتى تخلوا عن أموالهم لعلها تنجيهم لشدة حبهم إياها، وكيف سارعوا في مرضاته في (السجدة) لما سبق إليهم الرغب لكن دون نزق فقد أورثهم الخوف من بعده الخشوع!
لذا فحري بأشداء الاعتقاد أن يكونوا هم أنفسهم الرحماء بالعباد، وأن تكون خشيتهم من الله وعلى دينه، شفيع شفقتهم على عباده وعبيده، لا أن تكون الشدة في حقيقتها تفريغاً لقسوة نفسية وليست حرصاً على دين يرام أو حق يضام!
اللهم بارك لنا في ديننا الذي هو عصمة أمرنا وبارك لنا في دنيانا التي فيها معاشنا، وبارك لنا في أنفسنا فإنها أعز الأنفس علينا، وبارك اللهم في جماعة المسلمين فإن صلاح حالنا لا يتم إلا بصلاح حالها.
وصل اللهم على سيدنا محمد ﷺ وآله وصحبه وسلم
- د. خالد سعيد يكتب: بين التعدي والتعبد في الدعاء - الثلاثاء _31 _يناير _2023AH 31-1-2023AD
- د. خالد سعيد يكتب: التوابون - السبت _21 _يناير _2023AH 21-1-2023AD
- د. خالد سعيد يكتب: الحق أحب إلينا - الثلاثاء _17 _يناير _2023AH 17-1-2023AD