ضرورة إصدار اتفاقية وقوانين دولية ومحلية تجرم ازدراء الأديان ومقدساتها
إن الهجمة على الإسلام ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم الدواعي لاستصدار ميثاق أو اتفاقية تجرّم الإساءة إلى الأديان توقع عليها دول العالم،
تحفظ مشاعر الناس الدينية وتحترم أديانهم ومعتقداتهم على غرار اتفاقيات جنيف التي كفلت حقوق المدنيين والأسرى وغيرهم أثناء النزاعات المسلحة،
وعلى غرار الاتفاقية الخاصة بنزع الأسلحة النووية، وذلك حماية للمجتمعات البشرية من الانزلاق إلى الصراعات والفتن الطائفية
والانجرار إلى مخاطر الحروب الدينية الطاحنة التي تمزق العالم شر ممزق،
فإن مهاجمة عقائد الناس والسخرية منها بأية صورة كانت هي نيلٌ من أتباعها وعدوان على حرياتهم وكرامتهم.
وهنا أؤكد
أنه لا بد لنا من المبادرة إلى المطالبة بهذا الميثاق أو الاتفاقية الدولية ومن ثم القانون الدولي والقوانين المحلية المستندة إليها،
وأن نبادر نحن بطرح موادها وتعريفاتها ونشارك في صياغاتها لئلا يستغل الغرب وغيره من القوى العالمية المهيمنة هذه المساعي فيحاول صياغتها على هواه وبما يناسب توجهاته السياسية والفكرية،
ولنا في تعريفه للإرهاب درس وعبرة، فقد تمت صياغته بحيث اشتمل على مقاومة الاحتلال
وغيرها من وجوه الدفاع عن الدين والوطن والحقوق المشروعة والقضايا العادلة المكفولة دولياً.
وأؤكد أيضاً
أنه لا بد من استخدام كافة وسائل الضغط لإصدار هذه التشريعات التي تلاحق كل من يسيء بأي شكل من الأشكال إلى المكونات الدينية والقومية للشعوب أو رموزها ومقدساتها ليس في دولته فقط بل في كل دولة يحاول اللجوء إليها،
وبالأخص أن هناك سوابق لإصدار مثل هذه القوانين،
ففي سنة 1996م حكمت إحدى المحاكم الأوروبية بعدم شرعية عرض فيلم يسيء لسيدنا عيسى عليه السلام،
كما أن الغرب يلاحق اليوم كل من ينتقد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم بذريعة معاداة السامية،
وهناك تشريعات وعقوبات لا يسقطها التقادم ضد من ينكر الهولوكوست، وهذا يعني أن للغرب مقدسات يدافع عنها،
فهو ملزم وفق القانون باحترام مقدسات الآخرين واحترام دفاعهم عنها.
قانون دولي ينص على تجريم الإساءة إلى الأديان ورموزها
وإصدار هذا الميثاق الدولي المقترح سيكون تمهيداً لإصدار قانون دولي ينص على تجريم الإساءة إلى الأديان ورموزها،
ويلاحق مرتكبها بتقديمه إلى المحكمة الدولية المختصة كمحكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية أو أية محكمة دولية تنشأ لهذا الخصوص،
وينبغي أن تصدر بموازاته قوانين مماثلة على المستوى المحلي في كافة الدول الموقعة على هذا الميثاق،
وذلك لتقوم بتنفيذه على أراضيها ضد من تسوّل له نفسه الإساءة إلى الأديان أو الرموز المقدسة لدى الآخرين.
الإعلام وسيلة ترويج ونشر الازدراء
وفي الوقت الذي أطالب فيه بإصدار اتفاقية وقوانين دولية ومحلية تجرم الإساءة إلى الأديان ومقدساتها،
وحيث إن الإعلام هو وسيلة ترويج ونشر هذا الازدراء،
فإنني أطالب الإعلام بأن يتبنى هو الآخر ميثاقاً إعلامياً ليكون أحد الضوابط التي توجّه المواد الإعلامية المعروضة للناس وترشّدها،
ونظراً للدور الكبير الذي يلعبه الإعلام بفضل التطور الواسع الذي وصل إليه،
فالملاحظ أن بعض المؤسسات الإعلامية في العالم انتهجت نهج تشويه صورة الإسلام والمسلمين من خلال الإساءة لعقيدته وأركانه وكتابه
ورسوله صلى الله عليه وسلم ولرموزه المقدسة كالكعبة المشرفة والسنة النبوية،
ومن خلال التعرض لأمهات المؤمنين والصحابة رضي الله عنهم بالازدراء وإلصاق المثالب بهم،
وكمهاجمة حجاب المرأة المسلمة وغيرها من مكونات ديننا الحنيف.
وأمام هذا الطوفان الإعلامي الجارف الذي يجتاح العالم ويحمل الغث والسمين،
فإننا نريد إعلاماً يحمل أهدافاً نبيلة تتمثل في التزام القيم الإنسانية والأخلاقية التي أجمع عليها العالم؛
كاحترام حريات الآخرين واحترام حقوقهم الشخصية وعدم انتهاك كراماتهم أو ازدراء معتقداتهم،
وتجنب أسلوب التجريح بكل صوره وأشكاله،
مما سيسهم بإيجابية في تحقيق الاستقرار والتوازن في حياة الأمة والبشرية كلها،
وسيخلصها من آثار الازدواجية والتناقض والصراع والتبعية.
معايير ومقاييس تضبط العمل الإعلامي
ومن هنا تأتي أهمية الالتزام بمعايير ومقاييس تضبط العمل الإعلامي بأكمله مهما كان نوعه وشكله
بحيث تصبح مرجعية يحتكم إليها عند النشر والعرض على الجمهور المتلقي للإعلام،
فالإعلام الناجح لا يضع نصب عينيه فقط تشجيع حرية التعبير وحرية الكلمة باعتبارها مقدمة للديمقراطية؛
وباعتبارها مكسباً حضارياً تحقق عبر الكفاح الإنساني الطويل،
وباعتـبارها جزءاً من الحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،
فهذه الحرية لا تعني أبداً إطلاق العنان للألسنة وحصادها دون قيود،
بل تعني المسؤولية الكاملة عن كل ما يصدر عن ذوي الأقلام السيالة حتى يعلموا أن حريتهم تتوقف وتنتهي عندما تبدأ حدود وحريات الآخرين.
وحيث إن إعلامنا يتأثر بما يدور في العالم من أحداث وبما يعرض له من قضايا فتظهر الحاجة إلى صياغة ميثاق إعلامياً
يبدأ تطبيقه على المستوى المحلي لحين إصدار ميثاق عالمي يتبناه المجتمع الدولي، أو حتى العالم الإسلامي على أقل تقدير،
ويمكن أن تكون الأفكار التالية من أبرز المبادئ التي يمكن أن يتضمنها الميثاق الإعلامي الإسلامي المقترح :
الحرص على الأصالة والمعاصرة؛
من خلال التمسك بما يربطنا بجذورنا وقيمنا الإسلامية الدينية والأخلاقية العريقة الثابتة والمثل العليا المتراكمة في التراث البشرى،
والحرص في الوقت ذاته على مواكبة العصر والانفتاح على الحضارة الإنسانية والبعد عن الانغلاق،
وتعميق أواصر التعارف بين جميع الشعوب استحضاراً لقوله تعالى
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}
الحجرات 13.
التزام المصداقية والموضوعية:
بأن ننشد الحقيقة المجردة في خدمة الحق والخير، وتقديم الحقيقة الخالصة للمواطن والهادفة إلى خدمة قضاياه، والتأكد مــن صحة الأخبار والمعلومات ودقة مصادرها قبـل إذاعتها،
وتجنب نشر الأخبار الكاذبة أو المشكوك في صحتها أو ترويج الشائعات المضللة، فهذه ثقافة التبيُّن التي تعلمناها من قوله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
الحجرات 6،
وضرورة الامتناع عن اعتماد الوسائل غير المشروعة في الحصول على المواد الإعلامية،
والحفاظ على سرية مصادر الأخبار والتعليقات إلاَّ ما يمس الأمن الوطني والقومي، وفي هذه المسألة يعتبر الافتراء أو الاتهام دون دليل خروجاً على الميثاق ومخالفة لأخلاقيات مهنة الإعلام.
تمثل وتبني لغة الحوار:
باتباع الأسلوب العفّ السمح القائم على الحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة الآخر بالتي هى أحسن بعيداً عن التعصب والسخرية والتهريج،
وتجنب الطعن الشخصي والقذف والتجريح والمهاترات فالرسول صلى الله عليه وسلم {لم يكن سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً} رواه البخاري،
وهو القائل {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} رواه الترمذي، وبالحرص على رفض مبادئ التمييز العنصري أو العصبية الدينية المقيتة بجميع أشكالها، والعمل على دعم النضال في سبيل المبادئ العادلة وتكريس حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وفي هذا السياق يجب الحرص على سلامة اللسان العربي وبلاغته، وصيانته من مزالق اللغات العامية واللهجات المحلية، وليّ الألسنة بالمفردات العجمية والأعجمية، وذلك لنشر هذا اللسان بين أبناء الأمة ترسيخاً لوحدتهم وتفاهمهم.
الحرص على تعميق التضامن في العالم الإسلامي:
وذلك بالسعي إلى شد الأواصر وتعميق التفاهم والتفاعل والتبادل مادياً ومعنوياً في المجتمع العربي والإسلامي، وبالحرص على دعم التفاهم والتعاون بين الدول الإسلامية، وتأكيد روح الأخوة بين أبناء الأمة،
وذلك تمثلاً لقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…} الحجرات 10، وقال صلى الله عليه وسلم {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} رواه البخاري،
وقبل كل شيء إبراز الصورة المشرقة للإسلام وإسهام المسلمين ودورهم في إثراء الحضارة الإنسانية، وقدرته على العطاء لقيامه على العنصرين المادي والأخلاقي معاً.
حماية المجتمعات الإسلامية من التيارات الفكرية المضللة:
وذلك بالتصدي لمحاولات تشويه صورة الإسلام ولمحاولات تقويض وحدة المسلمين أو النيل من الهوية الإسلامية،
والاهتمام بتحصين الذين يتلقون الإعلام بالتوعية واتباع الأساليب العلمية المقنعة والمؤثرة في مواجهة هذه التيارات الهدامة، فوسائل الإعلام تتحمل مسؤولية خاصة نحو مواطنيها بالعمل على تكامل شخصياتهم وإنمائها فكرياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً،
وتنمية إحساسهم بواجباتهم تجاه مجتمعهم ووطنهم وأمتهم، والامتناع عن توجيه الحملات ذات الطابع الشخصي أو العنصري،
وعدم تحويل وسائل الإعلام إلى أداة للتحريض على استعمال العنف، أو الانحراف بالجدل عن جادة الاعتدال حرصاً على قدسية الرسالة الإعلامية وشرفها.
الحذر من الإعلانات غير المنضبطة والبعيدة عن المنهجية:
وذلك لآثارها السلبية على الأخلاق والقيم والسلوكيات الإسلامية؛ هذا مع أهميتها في التجارة ودوره المتعاظم في إنعاش الاقتصاد وتحريك الأسواق وزيادة الأرباح،
وأنوه بضرورة العمل على تجنب الاقتصار على المردود المادي فقط لهذه الإعلانات،
بل لا بد من تبني السياسات الاقتصادية البناءة، وتشجيع الإنتاج الوطني، ودعم الأيدي العاملة المحلية وتوفير فرص العمل للشباب.
وبما أن مواقع التواصل الاجتماعي اليوم تجتاح عالمنا وتستهلك معظم أوقات أبنائنا،
وبما أنها تبث كماً كبيراً من الأفكار والشعارات والآراء، وقد يكون من بينها ما يفتقر إلى الحذر منها والانتباه والتدبر والتمحيص فيها،
لذا فإنني أتوجه إلى أصحابها وإلى المدونين فيها على وجه الخصوص بعدم التساوق مع الأفكار والآراء السلبية والهدامة،
وبعدم التقليل من قيمة الإنسان، وإلى احترام الآخر وتبني ثقافة الحوار الإيجابي، وتقديم المصلحة العامة لأبناء الأمة على المصالح الخاصة مهما كانت،
والعمل على تعميق الإيمان بالحرية على أنها هبة إلهية ثمينة للإنسان كل الإنسان، وإشاعة التعامل بقيم الإخاء والمحبة والمساواة والعدل والتسامح والتضامن والأمن والسلام والاستقرار.
- د. تيسير التميمي يكتب: جهود الإمام البخاري في تدوين وتدقيق السنة النبوية - الأربعاء _15 _يونيو _2022AH 15-6-2022AD
- د. تيسير التميمي يكتب: تدوين السنة المشرفة في العهد النبوي - الأحد _5 _يونيو _2022AH 5-6-2022AD
- د. تيسير التميمي يكتب: تجريم ازدراء الأديان ومقدساتها - الأحد _29 _مايو _2022AH 29-5-2022AD