في مثل هذا اليوم توفِّي أخي أحمد سالم «أبو محمد» عَشيَّة يومِ السبت الموافق: 10 المحرم 1426هـ/ 19 فبراير2005م.
ومع مرور ثمانية عشر عامًا على وفاة أخي «أبو محمد» إلا أن ذِكراه الطيبة، وسيرته الحميدة ما زالت حيَّةً في قلوب أصدقائه ومُحبيه،
فلقد نشأ «أبو محمد» في أحضان العبادة، يعتاد المساجد في جميع الأوقات من الفجر إلى العشاء، يعشق الخير وأهله،
ويحب العلم والعلماء، يشهد له بذلك جيرانُه وأحباؤه وكلُّ مَنْ عاشره من الأصدقاء،
فلا غرو أنْ رأيناه يتمتع بخصال يغبطه عليها الأكياسُ الفطناء، أذكر منها:
استعداه للموت:
كنا إذا شيَّعنا جنازة أو ذكرنا الموت تجري على لسانه تلك العبارة باللغة العامية البسيطة: «أنا يا خويا جاهز»!
وأحسب – ولا أزكي على الله أحدًا – أن التوفيق كان حليفه؛ ففي مرضه الذي توفي فيه دخل في غيبوبة أكثر من يوم، فلما أفاق منها نطق بكلمة التوحيد «لا إله إلا الله»،
وكانت آخر ما نطق، ثم لَقِي ربَّه، وفي الحديث الصحيح: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة».
بُرُّهُ لأُمِّه:
لقد كان بِرُّ «أبو محمد» لأمِّه ليس كأي بِرٍّ، فلم يقتصر على الإحسان إليها فقط، بل آثر أمَّه بالبقاء،
فكان يدعو ربَّه ويلحُّ في الدعاء ألا يجعل موتَ أمِّهِ في حياته! وسبحان الله! لقد مات «أبو محمد» في حياة أمَّه،
وكأنَّ الله سبحانه قد استجاب له لصدق دعائه، مع الإيمان الجازم بأنَّ {لِكلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:38].
قال رجل لعمر بن الخطاب:
إنَّ لي أمًّا بلغ منها الكِبَر أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطيَّة – أي أنه يحملها إلى مكان قضاء الحاجة – فهل أدَّيتُ حقها؟
قال عمر: لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تفعله وتتمنى فراقها. بيد أن «أبو محمد» قد فعل غير هذا وتمنى بقاءَ أمِّهِ!
صفاء نفسه وصدق أخوته:
كان «أبو محمد» يمثِّلُ الوفاء والأمانة في رَجُل، كنت أفضِي إليه بمكنون صدري وهو الذي لم يتعلم مثل ما تعلَّمت؛
لقد سبقَ بعضَ المتعلمين، فكان يفهمني قبل أنْ أتكلم، كنت أراه أطول الناس قامةً
وإنْ كان أقصرهم عندما يجد توفيق الله وهدايات السماء تجري على لساني وأنا أخطب أو أحاضِر، وهذا من صفاء النفس وصِدق الأخوَّة.
وفي الحديث: عن عبد الله بن عمرو، قال: قيل لرسول الله ﷺ: أيُّ الناس أفضل؟ قال:
«كلُّ مخمومِ القلبِ، صدوقُ اللسان». قَالُوا: صدوقُ اللسان نعرفه، فما مخمومِ القلبِ؟
قَالَ: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد».
[سنن ابن ماجة].
رحم اللهُ «أبا محمد» ومَن سبقنا مِن الأحبة والأصدقاء رحمةً واسعة، وأسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة، وجمعنا بهم في مستقر رحمته.
- د. إبراهيم التركاوي يكتب: لا غِنى للعالَم عن هَدي محمد ﷺ! - السبت _11 _مارس _2023AH 11-3-2023AD
- د. إبراهيم التركاوي يكتب: في ذِكرى أخي «أبو محمد» - الأحد _19 _فبراير _2023AH 19-2-2023AD
- د. إبراهيم التركاوي يكتب: الأسرة المسلمة.. رسالة حضارية - الخميس _9 _فبراير _2023AH 9-2-2023AD