كثرةُ القراءةِ في سِيَر الصحابةِ الكرامِ تَقِفُ قارئَها على دقائقَ في حياتهم، من كلامٍ قالوه أو موقفٍ نهضوا فيهِ، أو فعلٍ خلَّدهُ التاريخُ، أو تفصيلاتٍ تتعلَّقُ بأنسابِهم أو مساكنِهم بعد عهْدِ النبوَّةِ، و ما أشبَهَ ذلك..
ومما يشدُّني من تلك الأخبارِ: خبرُ معْن بن عدِيٍّ حين بكى الناسُ لِوفاة رسول الله ﷺ وقالوا: لَوَدِدنا أنَّا متْنا قبله، نخشى أن نُفتَنَ بعدَه،
فقال معن: إني واللهِ ما أحبُّ أني مِتُّ قبلَه، حتى أصدِّقَه ميْتا كما صدَّقتُه حيًّا.
وخبرٌ فيه يوصِي أبو بكرٍ قُبيْلَ وفاتِه عمَرَ بنَ الخطاب، وكان مما قالَ: «ولقد رأيْتَني -مُتوَفَّى رسولِ الله ﷺ – وما صنعْتُ، ولمْ يُصَبِ الخلْقُ بِمثْلِه»،
ومرادُه: أنك يا عُمَرُ رأيتَ صنيعي بعدَ وفاةِ رسول الله ﷺ،
وما كان مِن صبري وتجلُّدي لذلك الخَطْبِ الجلَلِ، الذي لم يلْقَ الناسُ مُصابًا أعظمَ منه.
ومِن ذلك: مقالُ أمِّ أيمنَ لأبي بكرٍ وعُمَر حين سألاها عن بكائها، فذكرَتْ أنها إنما تبكي لانقِطاعِ الوحْيِ مِن السماءِ، فهيَّجَتْهما على البكاءِ فَبَكَيا!
ومما كان في عهْدِ النبوَّة قولُ عائشةَ بنت أبي بكرٍ: لمَّا فُتحتْ خيبرُ قلنا: الآن نشبَعُ من التمْرِ..
انظر إلى هذه المقولة وتأمَّلْ قدْرَ التمْرِ في هذا الزمانِ،
وكيف صارَ فاكهةً في البيوتِ والمجالسِ، وهو كان أمنيةً وشبْعًا لأكرمِ الخلائقِ على اللهِ ﷻ في الدهر بعد النبيين والمرسلين.
ومما يحرِّكُ أشجاني:
أخبارُ الصحابةِ الذين استوْطنوا الشامَ بعْدَ عهد النبوَّة عموما ومَن سكنَ منهم فلسطينَ خصوصًا،
وهُم من جِلَّةِ الصحابةِ وساداتِهم، كأبي عبيدةَ ابنِ الجرَّاحِ ومعاذ بنِ جبلٍ وأبي ذرٍّ وأبي الدرداءِ،
وبلال بنِ رَبَاحٍ ويزيد بن أبي سفيانَ وعُبادةَ بنِ الصامتِ وشدَّاد بنِ أوسٍ، وشرحْبيلَ بنِ حسنةَ
وعِياض بنِ غنمٍ، في كثرةٍ من سرَواتِ أصحابِ رسول الله ﷺ وخِيارِهم.
ومما يَحزُنني أن أقرأ عن بعضِهم أنَّه انقرضَ عقِبُه فلم يبقَ منهم أحدٌ،
ويشتدُّ الأسى حين يُقال:
وقد انقرضَ بنو فلانَ -القبيلة أو البطن الذين يكون منهم الصحابيُّ- فلم يبقَ منهم أحدٌ..
شعورٌ بالفقدِ لانقطاعِ صلةِ الوصْلِ بين الناسِ وبينهم من جهةِ الأنسابِ..
وفي حياتِهم أمورٌ مِن الدقائق ولطائفُ من المروِيَّاتِ حقُّها أن تُذاعَ في الناسِ ويكون لها ذكْرٌ وأثرٌ في حياتِهم،
ويُوصَل بينهم وبين تلك الزُّمْرَة من أهلِ الأرضِ، الذين لمْ يأتِ بعدَهم مَن يُضاهئُهم مكانةً وشرفًا في الدين، رضي الله عنهم وأرضاهم.
- د. أنس الرهوان يكتب: أمهات المؤمنين - الأربعاء _3 _أغسطس _2022AH 3-8-2022AD
- د. أنس الرهوان يكتب: بواعثُ شجنٍ - الأثنين _4 _يوليو _2022AH 4-7-2022AD
- د. أنس الرهوان يكتب: بيعٌ رابحٌ - الأثنين _27 _يونيو _2022AH 27-6-2022AD