- د. أحمد زكريا يكتب: أحلام العودة إلى الماضي! - الجمعة _18 _ديسمبر _2020AH 18-12-2020AD
- رسول الله تفديك العيون - الأثنين _19 _أكتوبر _2020AH 19-10-2020AD
- المقدم عبود الزمر وملحمة أكتوبر! - الثلاثاء _6 _أكتوبر _2020AH 6-10-2020AD
تجدد الجدل القائم حول القضية الفلسطينية بعد اللهاث المفرط من الأنظمة العربية نحو التطبيع والانبطاح مع الكيان الصهيوني.. وهل هي عربية قومية أم إسلامية؟!.
وقد تبنى هذا الطرح قديما الكاتب محمد حسنين هيكل في حوار له مع قناة الجزيرة القطرية منذ فترة بقوله: أخطأت حماس لأنها لا تعرف العالم جيداً كما نقلت القضية إلي المستوي الإسلامي بدلاً من القومي.
وهذا الطرح يتبناه مجموعة من الكتاب القوميين والعروبيين.. وكررت هذا الطرح – من قبل- الكاتبة منى الطحاوي في الشرق الأوسط اللندنية.. حيث قالت تحت عنوان فلسطين ليست قضية إسلامية: «لا يمكن اعتبار النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قضية إسلامية، وإنما قضية نزاع على الأرض حول احتلال يجب أن ينتهي،وحول شعب يستحق أن يكون له دولة..لكنه ليس نزاعا دينيا».. (الشرق الأوسط،1 أغسطس2005).
ومع تقديرنا لمكانة هيكل.. حيث يعد من أبرز الصحفيين العرب في القرن العشرين.. وهو من العناصر الأساسية التي رسمت السياسة المصرية والعربية -وبخاصة في العهد الناصري- إلا أن هذا الطرح يفرغ قضية فلسطين من محتواها.. ويهز مكانتها في قلوب المسلمين من غير العرب.
وهذا الطرح -أعني حصر القضية في المجال القومي أو العرقي- هو ما يحرص عليه أعداء الأمة.. حتى تختزل القضية في مجرد صراع إقليمي.. وتعزل بقية المسلمين غير العرب عن القدس ومشاكلها.
وهذه الفكرة لابد أن تواجه بكل قوة من الكتاب والمفكرين مع أهمية التأكيد على إسلامية القضية وهو أمر ظاهر واضح في التاريخ القديم والحديث .
ولكن -للأسف- نحن في زمن نحتاج فيه إلى التأكيد على المسلمات وتسليط الضوء عليها حتى لا تنسى .
فو الذي نفسي بيده لفلسطين أغلى عند المسلم من روحه.. ذلك أن لقاء الأنبياء – عليهم صلوات الله – كان بالقدس ساعة الإسراء.. فهي مجتمع الرسل الكرام.. وهي أولى القبلتين.. وثالث الحرمين .. وما ضاعت منا إلا مرتين:
الأولى: عندما غفل المسلمون عن دينهم.. فطمع الغرب النصراني في غفلتهم.. وأثارها حرباً صليبيةً.. وظلت قدسنا جريحة زهاء تسعة عقود تجرع المسلمون خلالها ذل الغفلة عن دينهم.. حتى إذا ما آبوا و تابوا سخر لهم مولاهم رجالاً أشد من الأسود في عرينها.
فهذا عماد الدين زنكي يقسم بربه أن لا يقر له قرار حتى يرى القدس طاهرة من يد الأشرار.. وعلى يديه تربى يوسف ابن أيوب «صلاح الدين» فما استقر له قرار حتى عادت قدسنا إلينا بدماء أبنائها الأبرار في «حطين».
والمرة الثانية: خسرنا القدس يوم أن تولى أمرها الأعراب منذ عام 1948 ميلادي.. حتى سقوطها في سنة 1967 ميلادية!!!
ولقد كان «صلاح الدين الأيوبي» كردياً مسلماً.. ورفع لها لواء الإسلام.. فتحررت وعادت إسلامية.. و لن تعود أبداً برايات قومية أو نزعات عرقية.
صحيح أن كفة الميزان مختلة و مرحلة الاستضعاف لم تأتِ من قوة أعدائنا.. بقدر ما هي بسبب فقداننا رابطة الدين وعزتنا تحت راية خلافة إسلامية راشدة.. إن يهود يعلنوها راية دينية.. ونحن نصر على أن تكون راياتنا قومية عرقية.
وبعضنا قد يستحي أن يرفعها إسلامية.. وما كانت قضية القدس أبداً عربية.. فمنذ ليلة الإسراء وصبغتها ربانية إسلامية.
ولقد بدأت بشائر النصر تلوح في الأفق لما عجزت نعرات القومية عن استرداد شبر واحد مما أخذ بالقوة على يد عصابات الهاجانا الصهيونية.
فها قد ولت أربعة عقود زمنية ولم تفلح القومية العربية في أن ترمي بإسرائيل في عرض النهر ولا البحر.
وقيد الله لهذه الأمة نماذج حية قوية بقلوبها.. وإن كانت ضعيفة بجسدها.. فكان «أحمد ياسين» -رحمه الله- الرجل الذي ما كان يتحرك منه إلا رأسه فقط.. كان حجة الله الدامغة على المتخاذلين والمستسلمين.. وكانت كتائب «عز الدين القسام» وصواريخها المتواضعة قذائف رعب في قلوب الذين كفروا من يهود و حلفائها. فالنصر آت آت ورب القدس والكعبة.. و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
إنني على قناعة تامة بأن أولى خطوات النصر واسترجاع قدس الأقداس تبدأ بتوحيد قضايانا الآنية وتجسيدها في قضية فلسطين وأضم صوتي إلى صوت كل صاحب ضمير حيّ.. نعم من أجل توحيد القضية.. فلسطين هي قضية الساعة.. ويجب ألا ننساق وراء تشتت المبادئ والأفكار.
إن يهود كانوا واضحين من أول وهلة.. إنهم أسموها «إسرائيل».. و«إسرائيل» هو اسم نبي الله «يعقوب ابن اسحق ابن إبراهيم» عليهم صلوات الله أجمعين.
ومعناه في اللغة العبرية: «إسرائيل» تعني «عبد الله» ولهذا المُسمى دلالة واضحة على أن صراع يهود هو صراع تحت راية دينية بحتة.
فهل الفلسطينيون وحدهم هم المعنيون بهذا الصراع؟
أم أن جميع المسلمين أصبحت فلسطين قضيتهم منذ ليلة الإسراء فقد جمع الله سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم- كل الرسل والنبيين من قبله وأمَّ بهم في صلاته قبل أن تبدأ رحلة المعراج.. ولذلك قيض المولى للقدس «صلاح الدين الأيوبي» وهو كردي عراقي وقبل ذلك لأنه يحمل عقيدة التوحيد بين جنبيه.. فكان أن أجرى الله النصر على يديه والمسلمين معه.
أما أن نجعل الصراع صهيوني-فلسطيني فالرابح في هذه المعادلة هم بنو صهيون، والخاسر هم «أهل فلسطين» أما إذا رفعنا كلنا شعار «يا فلسطيني.. يا فلسطيني.. أرضك أرضي.. ودينك ديني».. فعندئذً تتوحد راية الأمة الإسلامية و تتمحور حول قضية القدس.. وحينها يتنزل النصر.. وإن جند الله لهم الغالبون .
والسؤال الأهم ماذا قدم البعد القومي العربي لفلسطين؟!
فالقضية أيها السادة، لا تتعلق بأرض عربية بل تتعلق بأرض مقدسة إسلامية
فبأي حق نسلب هذه القضية أصلها الإسلامي و نحورها إلى قضية قومية عربية فقط .
ثم و إن أقدمنا على ذالك ومسخنا هذه القضية الإسلامية وحوّرناها إلى قضية قومية عربية فما الفائدة ؟!
هل قضايانا العربية قد حلها بعدها القومي العربي فحسب؟!
أم هل استطاع البعد القومي وحده أن يحل مشاكل لبنان؟!
وهل استطاع البعد القومي وحده أن يحل مشكلة دارفور؟!
هل استطاع البعد القومي وحده أن يحل مشاكل الصومال؟!
وما قضية العراق منا ببعيد فماذا قدم لها البعد القومي حينما انفرد بها؟
أم هل استطاعت الجمهورية السورية منع إسرائيل من اختراق أجوائها باستخدام بعدها القومي العربي؟
أظن أن إعادة طرح المبدأ القومي العربي كحل للواقع الحالي المزري ليس إلا دساً للسم في العسل.
فالظاهر أن من كانوا ينتفعون من هذه الشعارات سابقاً قد افتقدوا تلك المنفعة وحنوا إليها وتعطشوا لها.
فلعل الحال يعود كالسابق.. فتمتلئ جيوبهم وتنتفخ بطونهم وترفع الجماهير البلهاء صورهم وتماثيلهم في كل مكان..
وتضج الإذاعات في كل صباح ومساء بالخطب القومية الرنانة التي لاتسمن ولا تغني من جوع.. غير أنها تهييج العواطف وتخدر الشعور ليعيش الجمهور نشوة النصر والذي ينقلب مع مرور الوقت إلى مرارة بالهزيمة وشعور بفقد الثقة في كل شيء.
لذلك علينا في هذه الآونة أن نعيد قراءة ما كتبه المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري- رحمه الله- في موسوعته الرائدة والشهيرة(اليهود واليهودية والصهيونية) .
لنتعرف على الأبعاد الحقيقية للقضية الفلسطينية.. وأهمية العمق الإسلامي في تلك القضية..وفي هذه الموسوعة وغيرها من الكتب التي تناولت تلك القضية.. ومن أهمها:كتاب «المسلمون وقضية فلسطين» لأبي الحسن الندوي.. وكتب الدكتور أحمد صدقي الدجاني.. وكتب الدكتور محمد عمارة.. وغيرهم كثير.
وأخيراً:-
أؤكد أنه بدون التعامل مع قضية فلسطين من البعد الإسلامي أولا .. ثم تأتي الأبعاد الأخرى بعد ذلك لن تحل تلك القضية.. بل ربما يحدث الأكثر من ذلك فتنطمس الهوية الإسلامية لفلسطين.. فتنشأ أجيال مفرغة من تحمل مسؤولية تحرير الأرض.. وهذا ما ترمي إليه المؤسسات الصهيونية، وأذيالها في الداخل والخارج.