ثالثا: التجديد في مصطلحات الدعوة والحركة والفكر الإسلامي
للشيخ القرضاوي -رحمه الله تعالى- لمحات تجديدية في قضية المصطلحات في الجانب الدعوي والحركي والفكري، أطلقها وصارت مستعملة على ألسنة العلماء والدعاة والمفكرين،
من هذه المصطلحات:
مصطلح «فقه الأولويات» الذي أطلقه الشيخ كمصطلح وبناه كـ«علم» و«فقه» وركز عليه تأصيلا وتفريعا وتطبيقا.
مصطلح «الأصالة والمعاصرة» ومبلغ علمي أنه من صياغة الشيخ واستعماله، فقد كتب مبكرا كتبا مثل «الخصائص العامة للإسلام» و«الثقافة الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة» و«الإسلام بين الأصالة والتجديد» وقد ركز على هذا المصطلح في كل هذه الكتب وبخاصة التطبيقات المتعلقة بهما في كتابه القيم «خطابنا الإسلامي في عصر العولمة».
«الشمولية» مصطلح تناوله الشيخ كثيرا، باعتباره سمة من سمات الإسلام والثقافة الإسلامية عالجه في كتاب خاص تحت عنوان «شمولية الإسلام» وعالجه كذلك في «الخصائص العامة» ومدخل لمعرفة الإسلام وغير ذلك.
وكثيرة هي تلك المصطلحات التي بحثها الشيخ وتناولها تأصيلا وتفريعا فصارت لغة سيارة على ألسنة الدعاة والمثقفين والمفكرين.
رابعاً: جوانب أخرى في التجديد:
تعددت جوانب التجديد في فكر وإنتاج القرضاوي، وإضافة إلى الجوانب البارزة التي بدأت بها لا يسعني إلا أن أشير ولو بصورة وجيزة إلى جوانب أخرى لا تقل أهمية ظهر فيها الفكر التجديدي للشيخ، من هذه الجوانب:
الفكر السياسي الإسلامي:
حيث اقتحم الشيخ مسائل قال فيها كلمته الحاسمة التي ربما أزعجت الكثيرين ممن ألفوا التقليد، فمن أراء الشيخ قوله : «الحرية» قبل تطبيق الشريعة، وصدق فالحرية هي الجو الطبيعي الذي تطبق فيه شريعة الله وإلا كيف يتصور أن يعيش الناس بالإسلام في ظل دكتاتوريات مستبدة.
التجديد في فقه الحركة الإسلامية:
لقد جدد الشيخ صورة الداعية الذي يعيش هموم الأمة يراقبها عن كثب ويفتي بواقعية ويتحرك ليلا ونهارا، لقد تجاوز الشيخ ما أسماه «فقه الأوراق» ليعيش فقه الواقع فكان فقهه متجددا لتجدد النوازل، والعمل داخل الحركة الإسلامية العالمية التي تمثل مشروع نهضة الأمة والإحياء الإسلامي لا شك أنه يخلق عالما وفقيها حيا متجددا بخلاف أولئك المنتسبين للعلم الذين لا يعرفون إلا القديم يفتون من خلال مناصبهم وكراسيهم ووظائفهم لا من خلال واقع حي متغير متحرك يعانونه ويعايشونه.
لقد كتب الشيخ فقها خاصا بالحركة الإسلامية بصورة لم يستطع غيره أن يكتب مثلها والسبب في ذلك أن فقيه وعالم ورجل حركة فجمع بين العلم والعمل والفكرة والحركة، حدد أدواء الحركة الإسلامية وأدويتها، فكتب “أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة المقبلة” وهو كتاب لم يكتب مثله فما أعلم.
ثم كتب كتبه حول الصحوة الإسلامية في جانب التوجيه والترشيد «الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف« و«الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المحمود والتفرق المذموم» و«الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي» و«الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد» و«جيل النصر المنشود» و«أين الخلل» وغير ذلك، وهذا الجهد الفكري يعد خطابا جديدا لم يكتب بهذه الصورة المجتمعة المتكاملة من قبل.
التجديد في قضايا المرأة:
قضايا المرأة المعاصرة اختلطت فيها الأنظار، فما بين نظرة تقليدية بحتة تصور المرأة وكأنها كائن سمته النقص وعدم الأهلية، وبالتالي فهو مقود دائما لا رأي له، مكانه البيت صوته عورة تحت الوصاية دائما، وفريق آخر تأثر بالغزو الفكري الغربي فأطلق المرأة من كل قيد وجعلها كالرجل سواء بسواء دون مبالاة بشرع أو خلق أو واقع، والفريق الأول ألبس توجهه لبوس الدين، وألبس الفريق الثاني توجهه لبوس الحرية وحقوق الإنسان، وكلا الفريقين جاوز الحق الوسط. جاء الشيخ -رحمه الله- فصاغ فقها إسلاميا وسطا جمع بين الشرع ومراعاة الواقع، فاجتهد في قضية الحقوق السياسية للمرأة فلها أن تصوت في الانتخابات إبداء لرأيها ولها أن ترشح نفسها للمجالس النيابية، ولها كافة الحقوق السياسية عدا الولاية العامة «الرئاسة» أو «الخلافة» ثم رجح الشيخ وانتصر للرأي القائل إن النقاب ليس فريضة شرعية كما رفض قول من قال بأنه بدعة أو عادة.
واجتهد الشيخ في مسألة عمل المرأة الوظيفي والأعمال الفنية للمرأة والقدر الذي يجوز للزوج أن يأخذه من راتب زوجته إن كانت عاملة، وبقاء الزوجة إن أسلمت تحت زوجها الذي لم يسلم وغير ذلك من القضايا التي قرأناها للشيخ في فتاويه المعاصرة وغير ذلك من كتبه ومصنفاته.
التجديد العلمي:
ذكر شراح حديث التجديد أن من أبرز مجالات التجديد وأعمال المجددين تكثير العلم ونشره، لأنه نور الحياة وقوام العمل، فهل جدد الشيخ – رحمه الله تعالى – في الجانب العلمي فكثر العلم –وحارب الجهل وعلم الأمة وفقهها؟..
الجواب: «نعم» فقد قام الشيخ بجهد علمي ملحوظ في مجالات عدة، صحح من خلالها المفاهيم، وحرك بها الهمم، وأضاف فيها الجديد، وربط فيها الواقع بالإسلام، وعالج به القضايا المعاصرة بصورة موسوعية لا توجد إلا في القليل من أهل العلم، فقد كتب الشيخ في العقائد والفقه وأصوله والحديث وعلومه والفتاوى، كما كتب في القرآن وعلومه، والسياسة الشرعية والأدب والاقتصاد والتزكية والأخلاق وقضايا الأمة مثل: قضية فلسطين، وقضايا الأقليات. وكتب في علوم الدعوة والثقافة الإسلامية، كما كتب في تراجم العلماء فضلا عن الشعر، وكتبه في مجال ترشيد الصحوة لا تخفى على أحد.
التجديد العملي والحركي:
وهذا من أبرز جوانب التجديد التي صيرت الشيخ نموذجا مثاليا للعلماء العاملين، يظهر هذا في كون الشيخ خرج من دائرة فقه الكتب والأوراق والكلمات والتنظير إلى الحركة والعمل، فقد اندمج الشيخ مبكرا في الحركة الإسلامية ودخل السجن بسبب ذلك وعرف قسوته وأذاه، وكان خطيب الحركة والشباب حينها في مصر، ثم تحرك في العالم فأسس الكليات والمعاهد والمراكز العلمية الشرعية، ثم ولدت على يديه فكرة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ثم تحرك الشيخ في العالم كله في لقاءات ومحاضرات التقي فيها الشباب والفتيات، النساء والرجال ، المسلمين وغير المسلمين، ثم موقف الشيخ من القضية الفلسطينية وجهاده الطويل في نصرتها بكل ما يملك من أسلحة، ثم موقفه من الثورات العربية ومناصرته إياها.
كل هذه جوانب تميز الشيخ بها في الجانب العملي والحركي عن كثير جدا من مشايخ العصر ضرب بها الشيخ المثال العملي للعالم المتحرك الذي يعيش هموم الأمة بل هموم العالم بسره، ولا شك أننا في هذا الزمان نفتقر إلى مثل هذا النموذج العملي الحركي.
رحم الله الإمام القرضاوي وجعل ما قدم في ميزان حسناته
هذا والله تعالى أعلى وأعلم وأعز وأحكم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
- د. أحمد زايد يكتب: وقفة تربوية مع رحيل الداعية عبد الله بانعمة رحمه الله - الأثنين _6 _فبراير _2023AH 6-2-2023AD
- د. أحمد زايد يكتب: المجالس العائلية العشرة لوقاية الأبناء من الإلحاد «3» - الأربعاء _1 _فبراير _2023AH 1-2-2023AD
- د. أحمد زايد يكتب: مسألة الظفر بالحق في الفقه الإسلامي - الثلاثاء _31 _يناير _2023AH 31-1-2023AD