المجالس العائلية العشرة لوقاية أبنائنا من الإلحاد والشكوك العقدية
الجلسة الثانية: أحكموا إغلاق النوافذ والأبواب
في الجلسة الأولى كان الحديث عن الله تعالى، وكان المتوقع أن يكون الحديث هنا عن رسوله الله ﷺ، لكننا آثرنا تقديم إغلاق النوافذ التي يكون فتحها مشككا ومضيعا لمعاني الحديث عن الله تعالى.
فكرة موضوع الجلسة وعلاقته بالحماية والتحصين العقدي
أوقات الفراغ في حياتنا إما أنها عمار أو دمار، والكثير -وبخاصة من الأجيال الجديدة- لا يحسن التعامل مع وقت فراغه،
فإذا فرغ من العمل أو الدراسة أو العبادة، وبقي له وقت غير مملوء بعمل فإنه يتجه -غالبا- إلى هاتفه حيث عالمه الافتراضي،
يتواصل مع ذلك العالم، ليقضي على الملل أو يرفه عن نفسه،
فإذا به -حتما- أمام أمور كثيرة وبحر لا ساحل له من الإعلانات والصور والمقاطع والمواقع ووو… إلخ،
فيضغط على مقطع أو إعلان أو مقالة ثم ينتقل منها إلى ما بعدها، ويتجول هنا وهناك،
فيسرق ذلك وقته، بعد أن أقتحم أبوابا وفتح نوافذ على قلبه وعقله،
وياليت كل هذا شيء وقعت عليه عينه حلال مباح، ولكن الحاصل أنه – غالبا – إلا من رحمهم الله وهداهم،
ما يكون محرمات تدور بين شبهات تؤثر في العقيدة والفكر، أو شهوات تحرك الغرائز،
وبالتكرار يتحول صاحبنا إلى مدمن إما مدمن لأفكار خبيثة أو مواقع إباحية ضارة، وكلا الأمرين يهون في نفسه أمر الدين،
وكلاهما بوابة إلى الاستهانة بالحرمات، موصلة إلى الشك في العقيدة أو على الأقل الانحراف الفكري والسلوكي.
بعد أن ضعفت في نفسه معاني الإيمان بالله تعالى التي عرضناها في المجلس الأول.
هدف الجلسة:
حماية أولادنا من خطر الفراغ.
تربية أولادنا على عدم اقتحام أبواب الشبهات والشهوات.
لفت الأنظار إلى معاني في قوله تعالى: {فإذا فرغت فانصب}
المشكلة المراد علاجها في الجلسة:
اقتحام أولادنا أبواب الشر في فراغهم دون إدراك عواقب ذلك.
سير الجلسة:
أولا: استعراض جملة من النصوص الشرعية وبيان معناها شاهدة على فكرة الموضوع.
ثانيا: حوار حول واقع الناس اليوم تجاه الفراغ.
ثالثا: بيان المخاطر المرتبة على إهدار الفراغ وفتح نوافذ وأبواب الشر الناعم.
رابعا: خطوات عملية للاستفادة من الفراغ وتجنب مخاطره.
أولا: استعراض جملة النصوص الشرعية وبيان معناها.
النص الأول:
قال تعالى: “فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فراغب”. وفي الآية أقوال عديدة أوردها الطبري في هذا النص ألخصها هنا من قوله: “أي: إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة…
قال مجاهد في هذه الآية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة، فانصب لربك. وفي رواية عنه: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك، وعن ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل. وعن ابن عياض نحوه. وفي رواية عن ابن مسعود: (فانصب وإلى ربك فارغب) بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فإذا فرغت فانصب) يعني: في الدعاء
وقال زيد بن أسلم والضحاك: (فإذا فرغت) أي: من الجهاد (فانصب) أي: في العبادة) .
وهنا نشرح لأولادنا ضرورة أن يكون المرء مشغولا في أمر نافع دنيوي أو أخروي، نقترح معهم جملة واجبات لملء هذا الفراغ نتدرج فيها كل أسبوع عملا فعملا، ويتنوع هذا البرنامج كل حسب طبيعته وظروفه بحيث نحول بينهم وبين الفراغ القاتل أو على الأقل نخفف من خطره عليهم.
النص الثاني:
حديث الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «ضَربَ اللهُ مثلًا صِراطًا مستقِيمًا، وعَنْ جَنَبَتِي الصِّراطِ سُّورانِ فيهِما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبوابِ سُتُورٌ مُرْخاةٌ، وعِند رأسِ الصِّراطِ داعٍ يقولُ:
استقِيمُوا على الصِّراطِ ولا تَعْوَجُّوا؛ وفَوقَ ذلكَ داعٍ يدعُو كلَّما هَمَّ عبدٌ أنْ يفتحَ شيئًا من تلكَ الأبوابِ؛
قال: ويْلَكَ! لا تفتحْه، فإنَّك إنْ تَفْتَحْه تَلِجْهُ، ثمَّ فَسَّرَهُ، فأخبرَ أنَّ الصِّراطَ هو الإسلامُ، وأنَّ الأبوابَ المُفتَّحةَ محارمُ اللهِ، وأنَّ السُّتُورَ الْمُرخاةَ حُدودُ اللهِ، والدَّاعِي على رأسِ الصِّراطِ هو القرآنُ، والدَّاعِي من فوقِه هو واعظُ اللهِ في قلبِ كلِّ مُؤْمِنٍ»
ويمكن أن يرسم الوالدان على سبورة مثلا أو في ورقة هذا الحديث بين يدي أولاده ليكون صورة مشخصة فيها طريق مستقيم وعلى جانبيه سوران
وفي كل سور أبواب وهناك ستائر مرخاة على تلك الأبواب.. ليرتسم المعنى مجسدا في أذهانهم فيتفاعلوا معه.
ونركز على المعنى المهم المناسب الذي هو موضوع الجلسة وهو قوله صلى الله عليه وسلم لك: ويلك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه.
أنت الآن واقف أمام ستر مرخى على باب لا تدري ما وراءه فيأخذك حب الاستطلاع ومعرفة ما وراء الستر فتتحرك لرفع الستار وهنا تسمع النداء النبوي ويلك لا تفتحه، لماذا؟
لأن وراءه الحرمات وأنك لو فتحت الستر فأنت داخل لا محالة ولن تقف عند حدود المرور السريع أو المشاهدة التي تنتهي، لا بل ستلج.
كم مرة فتحت مقطع فيديو نقلك منه إلى آخر ومنه إلى ثالث ورابع وعاشر وخمسين ومائة حتى ضاع وقتك واسود قلبك وتشوش فكرك،
وتشككت في دينك مع الوقت، إلى أن يصبح أحدهم مع هذا الاقتحام مدمنا.
فالحل لا تضغط على المقطع وخاطب نفسك:
توقف لا تفتح الستار «ويلك لا تفتحه فإنك إن فتحته ولجته»
يعني دخلت فيه، ولا تضمن متى ستخرج من هذا البلاء.
النص الثالث:
قوله ﷺ في حديث أبي مالك الأشعري في صحيح مسلم «كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو مهلكها»
وحديث البخاري «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ«
والحديث الأول فيه أن كل الناس يتحركون فمنهم من ينجي نفسه بحركته وسعيه وشغل وقته بالنافع،
ومن من يهلكها بسعيه أيضا في المحرمات والشبهات وسفاسف الأمور،
فيقتل عمره ويضيع أو قاته بالمضيعات والملهيات الكثيرة،
وأخطرها وسائل التواصل الاجتماعي حيث العالم الافتراضي بموبقاته وظلماته.
والحديث الثاني يؤكد أن كثير من الناس مغبون، والغبن هو «بيع شيء نفيس غالي بثمن حقير تافه»
ولما كان العمر نفيسا وتضييعه في غير ما ينفع في الدنيا والآخرة غبن وبيع له بأبخس الأثمان،
ولصوص الوقت اليوم ما أكثرهم من أصدقاء سوء، وبرامج سوء،
ووسائل لا تعد ولا تحصى تنشر الشبهات والشهوات لهذا كله حذر النبي ﷺ من السفاهة في تضييع الأوقات والصحة في غير فائدة.
يمكننا التركيز على تلك النصوص ولك أن تأتي بغيرها في نفس السياق والمعنى.
ثانيا: ذكر صور واقع الناس اليوم تجاه الفراغ.
تقريب واقع الناس اليوم يمكن أن يكون سؤالا يدار حوله نقاش أسري في هذه الجلسة، يتحدث فيه الجميع راصدين الآتي:
(كيف يقضي الناس أوقاتهم – ماذا نفعل في فراغنا – مضيعات الأوقات المعاصرة وبخاصة أصدقاء السوء – الأوقات التي تقضى في أوهام يلهث خلفها التافهون من البحث عن (الإعجاب (اللايك) والمتابعة (الفلو) (والتعليقات الكومنتات- الإشعارات وغير ذلك)
وتفاعل الكثيرين مع هذه الأوهام فرحا بالكثرة وحزنا بالقلة، والانشغال بمعارك تافهة بل وحقيرة،
ووهمية في هذا الفضاء، حتى إن الكثير لا يمكنه البقاء خمس دقائق دون أن يفتح الموبايل ويتابع الإشعارات وكأنه لا وجود له بدونها،
ومع انشغال القلب والعقل بذلك كله لا يبق في قلبه شيء لله، كيف لا وقد تشتت القلب وتوزع هنا وهناك،
ولم في قلبه خشوع في صلاة ولا تأثر عند تلاوة القرآن حيث نفد رصيد طاقته وتفاعله في جولاته الطويلة عبر الإنترنت،
ثم يسترسل الحضور في بيان ذلك ويا حبذا لو اقتربنا من واقعهم هم الذين يعيشونه شخصيا.
ثالثا: بيان المخاطر المرتبة على إهدار الفراغ.
وهذا أيضا يمكن أن يتم عبر نقاش ونذكر فيه أنواع المخاطر التي تترتب على إهدار أوقات الفراغ المخاطر الدينية والنفسية والاجتماعية،
والخير الكثير الذي يفوتنا بإهدار أوقات الفراغ بعيدا عن قوله تعالى:” فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب”.
رابعا: الحلول وأهميتها في الصيانة العقدية:
بعد إتقان المفاهيم والأبعاد السابقة وبيان خطر إهدار الفراغ مع وسائل التواصل على العقيدة والدين والعقل والقلب،
لابد من طرح جملة من الحلول:
عمل جروب للعائلة على (الواتس آب) ونشر فيديو يومي في موضوع عقائدي يشاهده الجميع ثم يدار حوله نقاش عند اجتماع الأسرة على الطعام وأنصح هنا ببعض الفيديوهات لشخصيات جيدة (هيثم طلعت – أحمد السيد – فاضل سليمان – عثمان الخميس – إياد قنيبي).
إشغال الأولاد في نادي رياضي أو عمل تطوعي أو اجتماعي.
مسابقات القراءة كقراءة كتاب كل شهر، ثم يتطور على كتاب كل أسبوع ومعه مسابقات وجوائز لمن يقرأ ويلخص.
تنظيم الأوقات مع الأسرة بحيث يعطى لكل واجب حقه فلا تليهنا ما يستهوينا عما هو واجب علينا.
ونؤكد على ضرورة المتابعة والتشجيع مع الدعاء والإخلاص والتحضير والتجهيز، فأولادنا مشروع كبير يحتاج إلى أضعاف أضعاف ما نقوم به اليوم.
والله الموفق والمستعان.
- د. أحمد زايد يكتب: السيرة النبوية.. ومناهج التغيير والبناء الحضاري (3) - الجمعة _24 _مارس _2023AH 24-3-2023AD
- د. أحمد زايد يكتب: غفلة الصالحات طريق الطلاق العاطفي - الخميس _16 _مارس _2023AH 16-3-2023AD
- د. أحمد زايد يكتب: السيرة النبوية.. ومناهج التغيير والبناء الحضاري (2) - السبت _11 _مارس _2023AH 11-3-2023AD