- د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: عقد الثورة الأول.. دلالة ذروته وصلا بين البداية والغاية - الأحد _20 _ديسمبر _2020AH 20-12-2020AD
- د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: ماكرون والهروب من أزمة العلمانية اليعقوبية - الأربعاء _7 _أكتوبر _2020AH 7-10-2020AD
- د. أبو يعرب المرزوقي يكتب: يوميات الشاهد التاريخي الـ«كرونيكور» - الثلاثاء _29 _سبتمبر _2020AH 29-9-2020AD
لست أرى في ما توقعته من سلوك المقيم في قصر قرطاج أمرا يمكنني أن أفخر به لأن كل من يعرفه وجالسه وحاوره إذا لم ير ما بدا لي أمرا بديهيا في تقييمه ينبغي أن يتساءل عن مدى فهمه للعلامات البينة على كل ما حصل وأكثر منه مما سيحصل إذا لم تدرأ الجماعة خطره وخطر من هم حوله.
أن يكون السيسي قد «عداها» على الإخوان فقد أفهم ذلك رغم أني اشك في أنه عداها عليهم لأن احدهم حذر منه وكان عالي الصوت. وقد يعاب عليهم أنهم لم يسمعوه بخلاف عدم سماع النهضة لي لأني لست متحزبا.
اعتقد أن الإخوان في مصر كانوا مجبرين على القبول به لأنه كان من الصعب عليهم مصادمة العسكر الذي كان يحكم مصر منذ نصف قرن خاصة والمزايدات السلفية والقومية والحداثية والحرب المسيحية عليهم كانت لا تبقي ولا تذر.
لم يكن فرض السيسي داخليا فحسب بل كان خارجيا كذلك بمعنى أنه فرض على العسكر خارجيا الذي فرضه عليهم داخليا. ولذلك فلا يمكن قياس ما حدث في تونس على ما حدث في مصر: الفضيحة في تونس تبدو تحكمية بخلاف ما حدث في مصر لأنها كانت قريبة من الضرورة السياسية.
في تونس كانت خطأ فادحا من قيادات النهضة جعل الأستاذ نجيب الشابي مثلا يزعم في بداية الحملة أن قيس مرشح النهضة وزعم بأنه زار الشيخ عديد المرات أكثر من عشرة قبل ترشحه.
ما يعني أنه يعتقد أنه كان مرشح قيادة النهضة وخاصة بعد أن فقدت عصفورها النادر الذي توهم أن فسخ العقد معها يعوضه بما يتوقعه من وراثة النداء بعد وفاة السبسي فصار سعيد عصفور النهضة النادر ثم تبين عصفورها الغادر.
وهو ما يقتضي عدة أسئلة محيرة حقا حول ما جرى في أذهان القيادات الكليلة حتى لو فرضنا أنهم صدقوا أنه إسلامي لكأنه لا يوجد بين الإسلاميين من يحارب الإسلام السياسي أكثر من العلمانيين:
1- هل كانت قيادات النهضة جاهلة بماضيه وبخياراته العقدية والسياسية؟
2- هل كانت تصدق تملقه وكلامه عليها بوصفها حامية الديمقراطية؟
3- هل يمكن لمن يعلم ماضيه وعلاقته بنظام ابن علي أن يصدق نفاقه؟
4- هل عميت قيادة النهضة على وقوفه مع جماعة الرز بالمكسرات؟
5- أخيرا هل الحركة التي كانت تنظم حملته خفيت عنهم وجل البلديات بأيديهم؟
ليس لمحتل قرطاج ما لبلحة من مؤيدين في الداخل ولا في الخارج يمكن أن نعلل بهم موقف النهضة وموقف الائتلاف في الاندفاع إلى حد المشاركة في حملته للدورة الثانية والمشاركة في تشويه منافسه فيها إلا إذا كان يوجد ما خفي عنهم.
وليس عندي جهاز استعلامات ولا يحتاج ذو البصيرة له خاصة والأمر جلي ولا يحتاج إلا يكون ممن «ما يجمعش». لأني اعتبر كل هذه الأسئلة اجوبتها البديهية كلها سلبية:
فرغم أني لست سياسيا كنت أعلم خياراته ضد الثورة والإسلام السياسي وأعلم أنه ينافق النهضة.
أما علاقته بالنظام السابق فلا تخفى عن القاصي والداني
ووقوفه مع جماعة الرز وتحركات منظمي حملته كلها معلومة للجميع.
إذن ما الذي حدث فجعل قيادات النهضة تصاب بالصمم والبكم والعمى وفقدان العقل فتتورط في ما قد يحقق ما عجز دونه بورقيبة وابن علي لأن المناخ الإقليمي والدولي صار أكثر حرصا على محاربة حركات الإسلام السياسي بل والإسلام “تو كور”؟
تفسيري الوحيد يعتمد افتراض علتين فضلا عن العلم بتربص إيران بالمغرب كله:
1- الأولى الموت المفاجئ للسبسي أفسد عليهم الاتفاقيات مع الشاهد فكان من العسير عليهم اعادة قراءة موازين القوى وفهم التغيرات الفجئية في كل المعطيات وخاصة رفض الشاهد الوفاء بما وعد به الشيخ ليحصل على تأييد الانقلاب على السبسي:
والقرينة في هذه الفرضية هي الانتظار الطويل للعصفور الذي لم يأت.
2- المعركة الداخلية في الحركة والحاجة إلى تحقيق شروط نصف الاتفاقية مع الشاهد أعني الوصول إلى نجاح في النيابيات الذي يجعل الحركة رقما وازنا يمكن أن يعوض خسارة ما كانت تتضمنه الاتفاقية مع الشاهد بعد عدم وفائه.
وكان ذلك يقتضي اللعب على بعدين هما بعد الثورية وبعد النظافة والحرب على الفساد والسيستام. ولما كان سعيد يقدم على أنه من خارج السيستام ونظيف فإنهم أرادوه دمية دعاية انتخابية من جنس استعمال أبدان النساء لبيع الثياب الداخلية.
لكن مجرد إدمان إعلام عبد الوهاب عبد الله على إحضاره تقريبا يوميا للكلام في الدستور يفيد أنه ليس عالما ولا نظيفا حتى وإن كان يمكن أن يؤدي وظيفة المسهل الانتخابي لحزب خسرت قيادته ثلثيه لفرط التكتيك:
1- وكل من يفهم في القانون يعلم أنه “طمش” في كل شيء بصورة يحاول التغطية عليها بتفاصح يقنع العامة الذين يعتبرون كل “تطلغم” متفاقه دليل عربي وفصيح.
2- وكل من يفهم في النظافة يعلم أن من يقبل تحصيل ثلثي الراتب دون عمل مقابل أكثر وسخا ممن لم يدفع الضرائب (لأنه لم يبحث) وقد لا يكون دفع الضرائب كذلك.
لذلك فكل ما توقعته وأيدته الأقوال والأفعال التي بدرت منه ومن محيطه وخاصة ممن استعملوا طيبة الناخبين أي المقيم العام الفرنسي والمقيم العام الإيراني والمليشيات التي تعمل بالقلم وبالتنظيم «سير لو تران» يبدو لي بديهيا وخاصة بعد أن تبين دور مليشيات القلم ومليشيات العمل الخفي بعد إعلان النتيجة النهائية.
ومع ذلك فلا شيء في ما وصفت يحتاج إلى رجم بالغيب أو دقازة أو تنظيم بل هو النتيجة الحتمية لأهم علامتين متقدمتين على كل ما ذكرت:
1- الأولى طبيعة الدور الذي يجمع بين قوتين غازيتين في بلاد العرب: إيران وإسرائيل وسندهما الغربي والشرقي والتمويل العربي الذي يأتي من الثورة المضادة سواء كانت من توابع اسرائيل والغرب أو من توابع إيران والشرق
.
2- الثانية استحالة أن يصبح الإنسان ثوريا وسياسيا وهو على أبواب ارذل العمر خاصة وهو من الخاملين فكريا وفي أي نشاط يذكر له دلالة على القدرة السياسية.
فلو كان عالما كبير لقلنا قد يكون مصلحا أو رجل أعمال لقلنا قد يساعد في التنمية أو حتى من مافيات نقابة المكينة التي يدعي أميوها القدرة على طحن كل شيء لقلنا “كمبان”.
لكنه من الصم البكم والعمي اللذين لا يعقلون يقاد ممن هم دون الدون.