بعد أن انتصر الظاهر بيبرس على التتار قدم إلى دمشق فاتحا منتشيا، فاوغر خازن بيت المال صدره على أملاك الناس زاعما أنها أملاك دولة، فأمر بمصادرة مالم يثبت ملكيته بحجة وسند.
جاء الناس إلى الأمام النووي فكتب إلى بيبرس فلم يستجب فذهب إليه واسمعه كلاما قاسيا بعدم جواز تجريد الناس من أملاكهم.
أمر بيبرس بأن يعزل الإمام النووي من منصبه ويقطع راتبه!
فأخبره أن لا منصب له ولا راتب!
كان لا يأخذ شيئا، ويجعل كل ما له من حقوق وقفا للمسلمين، بين أرض وكتاب.
في موقف آخر فرض بيبرس ضرائب على التجار لغرض محاربة التتار كما يقال، فاستصدر فتوى من العلماء لكن النووي رفض فاستدعاه.
فلما حضر قال له:
أنا أعرف أنك كنت في الرق لفلان، وليس لك مال، ثم منّ الله عليك، وجعلك ملكاً، وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حِياصة من ذهب، وعندك مائة جارية، لكل جارية حقٌّ من الحلي، فإن أنفقت ذلك كله، وبقيت المماليك بالبنود الصوف بدلًا من الحوائص، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي أفتيتك عندئذ بأخذ المال من الرعية.
ابدأ بنفسك، ثم بعد ذلك إذا تجردت من ذلك جميعًا فعند ذلك إن لم يكفِ لرد التتار أفتيتك بأنه يجوز الأخذ من التجار لصد عادية التتار.
غضب الظاهر من هذا الجواب، وقال للنووي رحمه الله: اخرج من بلدي، يعني: من دمشق، فخرج النووي رحمه الله إلى بلدته نوى (مدينة في ريف درعا)، وهي مسقط رأسه.
قام الفقهاء وقالوا: إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يُقتدى به، فأعده إلى دمشق، فكتب برجوعه، إلا أن النووي رحمه الله امتنع، وقال: والله لا أدخلها والظاهر بها، فمات الظاهر بعد شهر.
هكذا هم العلماء الربانيون، لا مناصب يخافون زوالها، ولا رواتب يخشون انقطاعها.
- خليل المقداد يكتب: الملك الظاهر بيبرس، والإمام النووي! - الجمعة _13 _يناير _2023AH 13-1-2023AD