مما يتناقله أهل الخير والصلاح؛ استحباب زيارة العلماء والصالحين والأخيار.
قال الإمام النووي رحمه الله: يستحب استحباباً متأكداً: زيارة الصالحين، والإخوان، والجيران، والأصدقاء، والأقارب، وإكرامهم، وبرهم، وصلتهم، وضبط ذلك يختلف باختلاف أحوالهم ومراتبهم وفراغهم.
وفي زيارة أهل الخير والعلم والصلاح فوائد كثيرة ومنها:
1- جلب محبة الله تعالى.
قال النبي ﷺ:(يقول الله سبحانه: وجبت محبتي للمتزاورين فيّ..).
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ ﷺ أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ في قَريَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَد اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْن تُريدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لي في هذِهِ الْقَرْيةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ علَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: لا، غَيْر أَنِّي أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: فَإِنِّي رَسُول اللَّهِ إِلَيْكَ بأَنَّ اللَّه قَدْ أَحبَّكَ كَما أَحْبَبْتَهُ فِيهِ. [رواه مسلم في صحيحه]
وقال رسول الله ﷺ: «إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» [رواه مسلم].
2- طيب العيش ونيل منازل في الجنان.
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا عاد المسلم أخاه أو زاره قال الله عز وجل: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت في الجنة منزلا»
[رواه الإمام أحمد والترمذي وقال : حسن غريب، وفي بعض النسخ قال: غريب.].
3- حسن اقتداء واهتداء بما حباهم الله إياه من خير.
ولهذا كان يخبر أبو بكر الرموذي أنَّ الإمام أحمد كان إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد
أو قيام بحق أو اتباع للأمر سأل عنه وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة وأحب أن يعرف أحواله
ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: كلما أجد في قلبي قسوة آتي محمد بن المنكدر فأنظر إليه نظرة، فأتعظ بنفسي أياماً.
4- زيارة من كان يزروهم الصالحون.
عن أَنسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بكر لِعمرَ رضي اللَّهُ عنهما بَعْدَ وَفَاةِ رسولِ اللَّه ﷺ:
«انْطَلِقْ بِنَا إِلى أُمِّ أَيْمَنَ رضي اللَّه عنها نَزُورُهَا كَما كانَ رسولُ اللَّه ﷺ يزُورُهَا»،
فلَمَّا انْتَهَيا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالا لَهَا: «مَا يبْكِيكِ؟! أَما تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِ اللَّه ﷺ؟»
فقالت: «إِنِّي لا أَبْكِي أَنِّي لا أَعْلمُ أَنَّ مَا عِندَ اللَّهِ تعالَى خَيرٌ لرسُولِ اللَّه ﷺ، ولَكنْ أَبْكي أَنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ»،
فَهَيَّجَتْهُما عَلَى البُكَاءِ، فَجعلا يَبْكِيانِ معهَا. رواه مسلم.
5- نيل المغفرة من الله حيث يحصل في الزيارة مصافحة.
قال صلى الله عليه وسلم: « ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفر لهما قبل أن يتفرقا ».
ولهذا وجدنا أهل الخير والعلم والصلاح يتزاورون فيما بينهم،
قال عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر: «أتينا العرباض بن سارية وهو ممن نزل فيه
{ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} فسلمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين»
أي: طالبين العلم منك.
وقال ابن الجوزي:
«وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه. لا لاقتباس علمه.وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته».
وكان سفيان الثوري يجيء إلى عمرو بن قيس يجلس بين يده ينظر إليه لا يكاد يصرف بصره عنه.
وقالَ مالك كلما أجد في قلبي قسوة آتي محمد بن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأتعظ أياماً بنفسي.
وقـال عمر بن عبد العزيز: لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا؛
وقَال: والله إني لأشتري ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال،
فقالوا: يا أمير المؤمنين، تقول هذا مع تحرِّيك وشدة تحفظك
فقال: أين يذهب بكم والله إني لأعود برأيه وبنصيحته وبهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف،
إن في المحادثة تلقيحاً للعقل، وترويحاً للقلب، وتسريحاً للهمّ، وتنقيحاً للأدب.
وقال أَبو عبيد القاسم بن سلام: «زرت أَحمد بن حنبل يوماً في بيته فأَجلسني في صَدْرِ دَارِهِ وجلس دوني.
فقلتُ: يا أَبا عبد الله، أَليسَ يقال: صاحب البيت أَحق بصدر بيته؟ فقالَ: نعم، يَقعد ويقْعِد مَن يريد. قال:
فقلتُ في نفسي: خذْ إِليكَ يا أَبا عبيد فائدة، قال: ثم قلت له: يا أَبا عبد الله، لو كنتُ آتيك على نحو ما تَستحق لأَتيتك كل يوم،
فقال: لا تقل، إِنّ لي إِخواناً لا أَلقاهم إِلا في كلّ سنة مرةً، أَنا أَوثق بمودتهم ممن أَلقى كلَّ يوم.
قال: قلت: هذه أخرى يا أَبا عبيد. فلما أَردتُ القيام قام معي، فقلت: لا تفعل يا أَبا عبد الله.
فقال: قـال الشعبي: مِن تمام زِيارة الزائر أَن تَمشي معه إِلى باب الدار وتأَخذ بركابه.
قال: قلت: يا أَبا عبيد، هذه ثالثة. قال: فمشى معي إلى باب الدار وأَخذ برِكابي.»
وكتب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه للإمام أحمد رضي الله عنه ما لفظه :
قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته *** فلفضله فالفضل في الحالين له
فأجابه الإمام أحمد رضي الله عنه :
إن زرتنا فبفضل منك تمنحنا *** أو نحن زرنا فللفضل الذي فيكا
فلا عدمنا كلا الحالين منك ولا *** نال الذي يتمنى فيك شانيكا
ألا رحمة الله عليهم من علماء متحابين متواددين، يتزاورون ويتباذلون؛ فاللهم اجعلهم في عليين، وارزقنا وإياهم مجالسة سيد النبي وزيارته في دار النعيم.
- خباب مروان الحمد يكتب: كيف خالفت (اتفاقية سيداو) التشريعات القرآنية؟ - الأربعاء _25 _يناير _2023AH 25-1-2023AD
- خباب مروان الحمد يكتب: الطريق إلى الله - الأحد _15 _يناير _2023AH 15-1-2023AD
- خباب مروان الحمد يكتب: حين يتشدد المتديّن في نقد أخطاء المتديّنين! - الخميس _12 _يناير _2023AH 12-1-2023AD