حمدي شفيق يكتب: الرد على عابد البَقَر.. سِن  السيدة عائشة عند الزواج

لم يكن الهندوسي المجرم هو أول من أثار الشبهة والفتنة، فقد حاول المستشرقون مِن قَبْله إثارة ضجة حول عمر السيدة عائشة عندما تزوجها النبي ﷺ، وراحوا يتصايحون:كيف يتزوج النبي طفلة

في التاسعة من عمرها؟ ويمكننا الرد على هذه الشبهة من أوجه عديدة:

 – لم يتحدّث أحد من مشركي مكة ويهود المدينة والمنافقين عن هذا الأمر، رغم حرصهم الشديد على اصطياد أدنى هفوة، للتشهير بالنبي ﷺ.

و هذا يدل على أنهم لم يجدوا في زواجه بالسيدة عائشة شيئا منكورا،

وأنها كانت فتاة ناضجة صالحة للزواج،و ليست طفلة كما يزعم الخصوم الآن.

كانت السيدة عائشة مخطوبة قبل النبي ﷺ لجبير بن المطعم بن عدى.

وعندما أسلم أبو بكر خاف المطعم وزوجته أن يعتنق ابنهما دين صهره، فأصرّا على فسخ الخطبة، فأبدلها الله خيرا بالزواج من سيد ولد آدم أجمعين.

 كانت السيدة عائشة سعيدة مع زوجها عليه السلام، وغيرتها الشديدة المشهورة هي غيرة أنثى ناضجة

على زوجها، وليست طفلة صغيرة. وكانت تزهو دائما وتفخر على باقي نسائه بحبه لها ومكانتها وحظوتها عنده.. فهل تفعل هذا طفلة؟!

كان عمر السيدة مريم 12 سنة عندما ولدت طفلها عيسى عليه السلام، وكان عمر خطيبها المزعوم -يوسف النجار- قد تجاوز التسعين.

وكانت السيدة هاجر صغيرة، وكان أبونا إبراهيم، قد بلغ 80سنة عندما أنجبت له إسماعيل عليهما السلام..

فإن احتجّوا بأن هذه كانت معجزات،فإن عليهم -بذات المنطق- قبول أن السيدة عائشة كانت معجزة أيضا.

 كثيرات في كل العالم، خاصة المناطق الحارة، مثل جزيرة العرب، يبلغن المحيض دون العاشرة.

أصغر أم في العالم

ومن يبحث على الانترنت مثلا، تحت عنوان «أصغر أم في العالم» سيرى العجائب في كل أنحاء الأرض، حتى في البلاد الباردة،

وقد ذكر الإمام الشافعي أنه عندما زار اليمن، وجد هناك ظاهرة عجيبة، هي أن كثيرا من الفتيات يأتيهن الحيض في أقل من 9 سنوات..

وفي زماننا تؤكّد الأبحاث العلمية الحديثة أن تلوث البيئة واستخدام الهرمونات والكيماويات والإشعاعات النووية سوف تتسبب في زيادة مستمرة في أعداد الفتيات البالغات في سن أقل من 6 و7سنوات.

 لم تكن هناك سجلات رسمية لتسجيل المواليد في تلك الأزمنة القديمة، ولهذا يختلف المؤرّخون حول أعمار الشخصيات التاريخية.

والمثال الصارخ هنا هو الخلاف الحاد -القائم حتى الآن- حول تاريخ ميلاد السيد المسيح، فيحتفل بعض النصارى بمولده في ديسمبر، وآخرون يحتفلون به في يناير..إلخ.

رواية في تاريخ الطبري

وتفرض الأمانة العلمية أن نذكر الرأي الآخر الذي يرجّح أن السيدة عائشة كانت في التاسعة عشرة من عمرها،

استنادا إلى رواية في تاريخ الطبري -قرأتها أيضا في «سبل السلام» للصنعاني-

مضمونها أن أسماء بنت أبى بكر كانت أكبر من أختها عائشة بعشر سنوات،

وهاجرت أسماء وعمرها27سنة، أي أن السيدة عائشة كان عمرها وقت الهجرة 17 سنة،

وقد دخل بها النبي صلى الله عليه و سلم في السنة الثانية بعد الهجرة، فيكون عمرها 19 سنة ليلة الزفاف.

وهناك أيضا ما جاء بتاريخ الطبري من أن «كل بنات أبى بكر قد وُلدن في الجاهلية» و قول عائشة أنها أدركت أبويها مسلمين.

وقد استمرت مرحلة الدعوة في مكة 13سنة قبل الهجرة،

أي أن عمر السيدة عائشة بوم الهجرة كان يزيد على 13عامًا بعدة سنوات -على الأقل-

وتم زفافها بعد الهجرة بسنتين، وعلى هذا يكون عمرها وقت الزفاف حوالي 19سنة.

يرَجّح الأستاذ عباس محمود العقاد، في كتابه «الصِدّيقة بنت الصِدّيق» أن عمر السيدة عائشة وقت الزفاف كان ما بين 12 إلى 14 سنة.

كان لصغر سن السيدة عائشة حكمة كبرى، فقد عاشت بعد وفاة النبي حوالي 50 سنة،

وكانت ذات ذكاء حاد، وذاكرة فولاذية،

فحفظت ألوف الأحاديث النبوية الشريفة وروتها للأُمّة، وكان أكابر الصحابة والتابعين يتعلّمون منها..

وفي دواوين كتُب السنّة أكثر من ألفى حديث رويت عنها وحدها،

وهذا يبلغ أضعاف ما روته باقي أمهات المؤمنين مجتمعات، فقد كانت أصغرهن،

ولهذا حفظت أكثر منهن،مصداقا لمقولة الحسن البصري: «العلم في الصغر كالنقش على الحجر» رضي الله عن الجميع.