ملوكٌ، فأمّا حالُهم فعبيدُ
وطيرٌ، ولكنَّ الجُدودَ قُعودُ
أقاموا على متن السحابِ فأرضُهم
بعيدٌ، وأقطارُ السماءِ بعيدُ !
مجانينُ تاهوا في الخيالِ فودَّعوا
رواحةَ هذا العيشِ وهو رغيدُ
وما ساء حظُّ الحالمين لَوَ انّهمْ
تدومُ لهم أحلامُهم وتجودُ
فوا رحمتا للظالمين نفوسَهم
وما أنصفَتْهم صحبةٌ وجُدودُ
ويذرون من مسّ العذابِ دموعَهم
فيُنظَمُ منها جوهرٌ وعقودُ
بني الأرض كم من شاعرٍ في دياركم
غبينٍ، وغبنُ الشاعِرينَ شديدُ
بني الأرض أَوْلى بالحياةِ جميلةً
مُحِبٌّ عليها من حُلاه نضودُ
مُحبٌ تُناجيه بأسرار قلبها
ومهما تردْ في العيش فهو يُريدُ
على أنّه قد يبلغ السُّؤلَ خاطبٌ
خليٌّ ويزوي عن هواه عميدُ
بني الأرضِ لا تنضوا له السيفَ إنّهُ
يُذاد عن الدنيا وليس يذودُ
أُريدَ به للناس خيرٌ فلم يزلْ
به عَمَهٌ عن نفسه وشُرودُ
تجمَّعتِ الأضدادُ فيه فحكمةٌ
وحمقٌ، وقلبٌ ذائب وجُمودُ
حُماداه صبرٌ في الحياة وإنّما
هي النارُ تخبو ساعةً وتعودُ
مُقيمٌ على عرش الطبيعة حاضرٌ
ولكنّه بين الأنام فقيدُ
إذا جال بالعينين فالكونُ بيتُهُ
فإنْ مدّ بالكفّين فهو طريدُ
وأقصى مناه في الحياة نهارُهُ
وأدنى مناه في المماتِ خُلودُ
يرى الغيبَ عن بُعدٍ، فمقبلُ عهدهِ
قديمٌ، وماضيه القديمُ جديدُ
إذا عاش في بأسائهِ فهو مَيّتٌ
وإنْ مات عاش الدهرَ وهو شهيدُ
شقاوتُه في الشعر وهو هناؤهُ
وليس له عن حالتيه مَحيدُ
جنونٌ أحقُّ الناسِ طُرًّا بهجرهِ
أُولو الفهمِ ، لو أنَّ الفُهومَ تُفيدُ
——————————
عباس محمود العقاد
الميلاد: 28 يونيو 1889م، أسوان، مصر
الوفاة: 12 مارس 1964م، القاهرة، مصر