الجمود في اللغة التيبس وعدم الحركة، لكني أستأذن أهل اللغة أن أصرف وجهتي لغير وجهة اللغويين،
فأتجاوز جمود المعاني والألفاظ إلى جمود الفكر والمعرفة، أتجاوزه إلى جمود العطاء وتفجير المواهب.
حول هذه المعاني يكون حديثي، فالجمود موت حقيقي، فالكون في حركة،
والعوالم في حركة، والزمان في حركة مستمرة، والأرض في حركة،
وكل العوالم لا تقبل السكون، لا تقبل توقف الحركة، فأعضاء جسم الإنسان لا تعرف سكون الحركة،
فحين تتجمد حركة المفاصل فإننا نحتاج لتأهيل حركي حتى تعود المفاصل ولأعضاء لسابق نشاطها،ولا أتخيل أن في هذا الوجود كائن يقبل الجمود .
لنا أن نمعن النظر في آيات القرآن الكريم حين عرضها حقائق الإيمان بالله تعالى،
فإن الآيات تتواتر في تأكيد حركية الفكر واستغلال الحواس في النظر والتأمل في بديع خلق الله،
جميعها. تطلب منا توظيف عقولنا وتتبع آثار حركية الكون والنفس، آيات تدعونا أن نوظف حواسنا لتبيثحقائق الإيمان المؤكدة
يقول الله تعالى حكاية الخليل مع قومه:
{أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء، 66 – 67].
قال الله تعالى:
(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْموقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تبْصِرُونَ) (الذاريات: 20، 21).
وقال تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خلِقَ خلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) (الطارق: 5- 7).
قال تعالى:
(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)
(عبس: 24- 32).
المؤسف أن الغير أشاع في قناعتنا جمود الحركة والتفاعل، جعل بيننا وبين الحركة حائلا يعزلنا عن عوالم البناء والنهضة،
بل يلبسنا ثوب الجمود والسكون، فيعطل آلة الحركة، فنعجز أن نوفر حاجيات أسياسيات البقاء،
فنكون عالة على أنفسنا وعالة على غيرنا، تصدق فينا الحكمة المأثورة (لا خَيرَ في أمَّةٍ تأكلُ مِن ما لا تَزرعُ، وتَلبَسُ ما لا تصنَعُ).
بعث الإيجابية
في حين أن حركية وفاعلية الإسلام واضحة في بعث الإيجابية والحركة في أتباعه، حين يرسم من تعاليمه بابا واسعا للعطاء واستباق الخير، يجعله بابا لمحبة الله، يجعله بابا لدخول الجنة،
فيحرر المسلم من عوامل الضعف والانهزامية، فيثمن طلب العلم واكتساب المعرفة، يشجع أتباعه على الكسب الحلال،
فيجعل من عمل اليد وسيلة لبلوغ مراتب الخيرية، يجعله وسيلة للتحرر من تبعية الغير،
يشجع على مبدأ التكافل والتراحم، ولا يكون ذلك إلا بالحركة والسير في دروب النجاحات،
ودليل حركية الإسلام كثيرة الشواهد في القرآن والسنة المطهرة.
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَو أنثَىٰ وَهو مؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة النحل الآية 97.
أخرج الإمام البخاري بسنده في الصحيح عن النبي صلّ الله عليه وسلم أنه قال «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بحزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَومَنَعُوهُ»
لهذا علينا أن نربي أولادنا منذ الصغر على السعي والحركة، نحبب لهم العلم ونحبب لهم النشاط والجد، نقوي عزيمتهم؛ بأن القوة في العطاء، وأن القوة في حركة النفع والبناء.
- حشاني زغيدي يكتب: معهم يحلو السباق - الجمعة _3 _فبراير _2023AH 3-2-2023AD
- حشاني زغيدي يكتب: من آداب السلوك الاجتماعي الراقي - الجمعة _27 _يناير _2023AH 27-1-2023AD
- حشاني زغيدي يكتب: الإسلام يرفض الجمود والخمول - الجمعة _20 _يناير _2023AH 20-1-2023AD