لماذا الإصلاح وعن كيف الإصلاح
أما لماذا الإصلاح فلأنه واجب على كل من رغب في أن يكون له دور في الحياة وقد أشرت في مقالتي السابقة إلى أن لكل أجندته وأننا نتوجه بهذا النصح والبيان لمن كان جادا في الإصلاح فمن غير المعقول أن تتعالى صيحات الإصلاح من هنا وهناك وأن يتبناه الكثيرون من أبناء الأمة ثم لا يساهم من كان له اهتمام بالشأن العام
وهنا ألفت النظر إلى نقطتين هامتين :النقطة الأولى أن الإصلاح عملية شاملة.. لا بد أن تشمل جميع جوانب الحياة البشرية لأنها تفضي لبعضها كالأواني المستطرقة.. فقل لي هل يجدي الإصلاح الاقتصادي مثلا بينما تغرق السياسة الناس في الظلم .وهل ينفع إصلاح سياسي بينما هناك أخطاء ضخمة ومشكلات كبيرة في الجوانب الاجتماعية (خذ مثالا قضايا العنوسة ومنع الزواج بسبب الجنسيات وقضايا مثل ارتفاع الأجور والإيجارات)
ولذا فمن أراد الإصلاح حقا لا بد له من العزم على أخذ الإصلاح من جميع جوانبه
وهذا يفضي بنا إلى أهمية تكاتف الجميع في هذا -حكاما ومحكومين- فلن يتم الإصلاح أبدا بأحد الطرفين
وهذا يلفت نظرنا إلى أهمية التلاحم بين الأطراف ..تلاحم حقيقي لا تعبر عنه غالبا إعلانات المجاملة أو قل النفاق التي تبثها الجهات المستفيدة دوما من مجاملة الحكام
وإنما علامة ذلك التلاحم الحق أن يشعر المحكوم بأن الحاكم يهتم به ويحرص عليه ولا يكون غريبا عنه فتكون سمعة المسئول أو الحاكم عند الناس سمعة طيبة فعلا
ولو ضربنا مثالا بسوء سمعة بعض المسئولين هنا وهناك -في مشارق البلاد مغاربها- الذين يدسون السم في العسل ويعملون بتوجيهات من الأعداء ويخضعون لضغوطاتهم
النقطة التالية: ألا وهي أن الإصلاح عملية صعبة شاقة.. لأن الإصلاح بناء والبناء أشق من الهدم، بل إنني أصارح كل مسئول عزم على الإصلاح بأنه اختار الطريق الصحيح لكنه في نفس الوقت الطريق الشاق الصعب.. فليس قيادة شعب من الأحرار كسوق قطعان من الماعز
ولست أقول هذا تيئيسا -علم الله أنه ليس لي بمقصد- بل أقوله تبصيرا فالإصلاح جهاد بحق .. فهو بذل لكل مرتخص وغال من أجل الوصول لذلك الهدف
لكن لا بد في هذا وفي كل خطوات الإصلاح احتساب ذلك عند الله فإن من لم يحتسب خطوات الإصلاح عند الله تعالى ضاع جهده وأتعب نفسه بغير طائل
وليبشر المجاهد بالخير كله قال تعالى {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد:22) وما دام الحديث أفضى بنا إلى الإخلاص والاحتساب فإننا نحذر من أراد الإصلاح – أيا كان موقعه من أن يبارز ربه بمعصية أو أن يغتر بتزيين أهل الباطل له طرقا غير شرعية كتحليل الحرام في المعاملات المختلفة أو بإباحة الفواحش بدعوى تنشيط السياحة إلى غير ذلك من المحرمات وما أجدر كل راغب في الإصلاح أن يتخذ بطانة من أهل الخير وأن يجعل لنفسه مجلس شورى من أهل العلم والصلاح والفضل لا يألونه نصحا ولا يكتمونه بيانا
ليس السيادة أكماماً مطرزة ::: ولا مراكب يجري فوقها الذهب
وإنما هي أفعال مهذبة ::: ومكرمات يليها العقل والأدب
وما أخو المجد إلا من بغى شرفاً ::: يوما فهان عليه النفس والسلب
وأفضل الناس حرّ ليس يغلبه ::: على الحجى شهوة فيه ولا غضب
في سبيل الإصلاح ستكون هناك آلام وإزعاجات وربما تصرفات ليست في محلها وأوضاع فيها إحراج أو إزعاج ..لكن كل هذا ثمن المجد والخير وهو ثمن ضئيل إن قارنته بالجنة
قال عروة بن الزبير :
لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا ::: حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مشرقة ::: لا عفو ذل ولكن عفو إكرام
روى أبو داود وأبو عيسى الترمذي عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء) قال: هذا حديث حسن غريب. وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقوم العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير حساب). ذكره الماوردي. وقال ابن المبارك: كنت عند المنصور جالسا فأمر بقتل رجل؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي الله عز وجل من كانت له يد عند الله فليتقدم فلا يتقدم إلا من عفا عن ذنب)؛ فأمر بإطلاقه.
وللحديث بقية
- د. ياسر عبد التواب يكتب: ملاحظات على نتيجة الانتخابات التركية كي لا يتكرر نجاح الحافة - الثلاثاء _30 _مايو _2023AH 30-5-2023AD
- د. ياسر عبد التواب يكتب: كيف نبدأ؟.. من أنواع التصنيف للجمهور - الخميس _25 _مايو _2023AH 25-5-2023AD
- أردوغان والغرب.. من يتمنى استبداله، ومن يرغب في نجاحه؟ - الخميس _11 _مايو _2023AH 11-5-2023AD