سلامة موسى.. رائد من رواد التنوير أم الظلام؟
كتب أحد الأساتذة الجامعيين في ميدان النقد والأدب مقالا طويلا عن سلامة موسى، محاولا أن يثبت فيه صورة مشرقة للرجل والزعم بأنه من دعاة التنوير، بل بطل التنوير المفدى.
والحق أنني أتعجب والدهشة تتملكني من دعوة صديقنا الدكتور المحترم إلى أن ما كتبه بعيد عن المغالاة والأحكام المجتزأة والمسبقة وذكره الصريح: إننا بحاجة إلى التصالح مع أنفسنا والاعتراف بالمخالف ودراسة آثاره ومنجزه الفكري بشكل منصف.
وسط غارق في الوحل
ثم يقول: الوسط الثقافي في مصر غارق منذ عقود في الوحل حتى أذنيه، إقصاء وتخوين وشللية مقيته فأهل اليمين يحتفون برموزهم ويبرزون الجيد والتافه والغث والسمين ويضعون مقاييسهم الخاصة بهم في فهم النصوص وتحليلها وكأنها وحي من السماء، وأهل اليسار يغلقون حظيرتهم على أدبائهم وكتابهم ولا يسمحون لأحد بدخولها .
وأنا هنا لا أعرف أن من الإنصاف أن نسير في ركاب سطورنا ونحن نجمل الصورة المطلقة، بل إن الواجب الثقافي والفكري والأدبي، يقتضينا أن نبرز المحاسن والمساوئ معًا، وحقيق أن سلامة موسى كان له دوره التنويري، لكنه في ذات الوقت، كانت له دعوات ظلامية صدامية مع العقيدة والفكر الإسلامي والهوية التراثية العربية، ولا يرجع الحكم عليها ولا عملية تقويمها للهوى والتعصب، وتحليل النصوص بالأمزجة، وكأن حكم المعارضين وحي من السماء، وإنما كانت دعوات سلامة موسى المنحرفة ضد التراث والهوية والدين واضحة وضوح الشمس لا تحتاج إلى تعليل أو تحليل أو شرح أو تبرير.
وأنا يسوؤني في مثل هذه المقالات،
أنها ليست منصفة ولا تراعي جناب الحق، فرجل اختلفت دعواته بين السيء والجيد، بين الشر والخير، بين السوي والمعوج، لا يجب أبدا أن نسير على خط واحد في تقويم مسيرته، وكأنه كان صواب كله، بل يقتضينا العدل والإنصاف أن نظهر مساوئه ومعايبه بقدر ما ذكرنا محاسنه وإيجابياته ودوره الكبير في مسيرة الحراك الثقافي والاجتماعي في مصر.. ولن أكون من المتعصبين الذين ينكرون جهد الرجل ولكني من المنصفين الذين إذا عمدوا إلى الحديث عنه في مكرمة، ذكرت ما كان من مذمة.
هب أن رجلا لا ثقافة لديه ولم يكن ضليعًا في الفكر وقرأ ما كتب الدكتور تحت هذا العنون البراق، وهذه المقدمة التي توحي سطورها بوضوح، أن سلامة موسى رجل مظلوم ومفترى عليه في كثير من دعواته.
والحق أن الرجل أتى في مسيرته الفكرية بمخاز يندى لها جبين الثقافة والفكر والإصلاح والأدب.
علمانيون ينصفون الإسلام
منذ أكثر من عام كتبت عن سلامة موسى في مقال تحت عنوان (علمانيون ينصفون الإسلام) ذكرت فيه أن سلامة موسى قام لينادي بمساواة المرأة مع الرجل في الميراث، وظن الرجل أن النساء من دعاة النهضة والتنوير، سوف يقفن خلفه، ويصفقن له ويدعمنه بحماسهن، ويرددن دعاويه التي تعترض على قسمة الله.
وأحب الرجل أن يبدأ بزعيمة النساء في ذلك الوقت، فكتب خطابًا إلى هدى هانم شعراوي، يستحثها أنا تنادي بما طالب به من هذه المساواة، وكان الظن أن تقف المرأة معه، وتنادي بشذوذه الذي يعتقد أن يصب في دعوى تحرير المرأة، وأنها ستنادي به مُجددًا ومصلحًا ومنقذًا للمرأة ليتساوى في الزعامة والصدارة بقاسم أمين، لكن حدثت المفاجأة المذهلة والذي سجلتها هدى شعراوي في مذكراتها، حينما ردت عليه بأنها، ليست موافقة على هذه المساواة التي ينادي بها، أمام ما قسمته الشريعة للمرأة، وأن النهضة النسوية في هذه البلاد، لا يجب أن تتشبه بأوروبا، فلكل بلد شريعته وتقاليده، وليس ما يصلح في بلد يصلح للبلد الآخر، كما أننا لم نلحظ تذمرًا للمرأة وشكوى على عدم مساواتها بالرجل في الميراث، لأن قناعتها بما قسم لها من نصيب، ناشئ من أن الشريعة عوضتها مقابل ذلك، بتكليف الزوج بالإنفاق عليها وعلى أولادهما، كما منحتها حق التصرف في أموالها.
ثم فندت شبهة أخرى مما طرحه فقالت: أما القول بأن عدم المساواة في الميراث، من دواعي إحجام المرأة بعض الشباب عن الزواج في الشرق، فغير وجيه، لأننا نشاهد في أوروبا، انتشار نفس الداء في عصرنا الحالي، أشد خطورة منه في الشرق، رغم أن المرأة الأوروبية ترث بقدر ما يرث الرجل، فضلا عن أنها ملزمة بدفع المهر، ومكلفة بالتخلي عن إدارة أموالها لزوجها.
تشريع جديد
وقالت: لو سلمنا بنظرية الأستاذ سلامة موسى وجاريناه في طلب تشريع جديد، فهل لا يخشى أن يؤدي ذلك إلى إسقاط الواجبات الملقاة على عاتق الزوج نحو زوجته وأولاده بالاشتراك في الصرف، وفي ذلك ما فيه من حرمان يعود بالشقاء والبؤس على الزوجات الفقيرات، اللاتي لم ينلن ميراثًا من ذويهن، وهذه الطبقة تشمل أغلبية الزوجات، ولا يخفى ما هن عليه من جهل وأمية.”
وأنا لا يمكن أبدا أن أتجاوز عن دعوة رجل يصادم الدين والقيم واللغة ووحي السماء، وأعدد على الناس منجزاته ومباهره، دون ذكر ظلامياته ومعاييبه.
وانظر هنا لمن يعيبهم سعادة الدكتور في حكمهم على من جعله بطل من أبطال التنوير، انظر لأعلام الأدب الفكر ماذا قالوا فيه: يقول إمام العربية الأكبر مصطفى صادق الرافعي:
” رأيي في سلامة موسى معروف. لم أغيره يومًا. فإن هذا الرجل كالشجرة التي تنبت مرًا، لا تحلو ولو زرعت في تراب من السكر، ما زال يتعرض لي منذ خمس عشرة سنة، كأنه يلقي عليَّ وحدي أنا تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها، فهو عدوها وعدو دينها وقرآنها ونبيها، كما هو عدو الفضيلة أين وجدت في إسلام أو نصرانية.
استعمال العامية
دعا هذا المخذول إلى استعمال العامية وهدم العربية، فأخزاه الله على يدي، وأريته أنه لا في عيرها ولا نفيرها. وأنه في الأدب ساقط لا قيمة له.
وفي اللغة دعي لا موضع له، وفي الرأي حقير لا شأن له فلما ضرب وجهه عن هذه الناحية وافتضح كيده دار على عقبيه واندس إلى غرضه الدنيء من ناحية أخرى، فقام يدعو إلى (الأدب المكشوف) فأخزاه الله مرة أخرى ولم يزد بعمله على أن انكشف هو، فلما خاب في الناحيتين، اتجه إلى الشارع الثالث فانتحل الغيرة على النساء والإشفاق عليهن، وقام يدعو المسلمين إلى إبطال حكم من أحكام دينهم وإسقاط نص من نصوص قرآنهم ظنًا منه أنهم إذا تجرأوا على واحدة هانت الثانية، وانفتح الباب المغلق الذي حاول هذا الأحمق فتحه طول عمره من نبذ القرآن وترك الإسلام وهجر العربية كأن إبليس لعنه الله قد كتب على نفسه (كمبيالة) تحت إذن وأمر (سلامة موسى) إذا محيت العربية أو غير المسلمون دينهم أو أبطلوا قرآنهم، فكانت البدعة الثالثة أن يدعو المسلمين جهرة إلى مساواة الرجل بالمرأة في الميراث، فأخزاه الله.
ثم قام هذا المفتون يدعو إلى الفرعونية؛ ليقطع المسلمين عن تاريخهم، وظن أنه في هذه الناحية ينسيهم لغتهم وقرآنهم وآدابهم،
ويشغلهم عنها بالمصرولوجيا، الوطنولوجيا، ثم أتم الله فضحه بما نشره أصحاب دار الهلال”
سلامة موسى ليس بشيء إن لم يكن دجالاً
ولم يكن الرافعي وحده في موضع المتهم المهاجم، بل قام معه المازني الأديب فقال ما يعرض الحق والحقيقة بكلام خلدته الأسفار كشهادة معتبرة من أديب سامق يقول: تحت عنوان:
“سلامة موسى ليس بشيء إن لم يكن دجالاً!!
بضاعته بضاعة الحواة المشعوذين وله حركاتهم وإشاراتهم وأساليبهم.
يزعم نفسه أديبًا، وتعالى الأدب عن هذا الدجل، ويدعي العلم، وجل العلم أن يكون هذا دعاؤه،
ويحاكي الملاحدة ليقول عنه المغفلون أنه واسع الذهن، وليتسنى له أن يغمز الإسلام ويبسط لسانه في العرب،
والحقيقة أنه لا أديب ولا عالم، وإنما هو مشعوذ يقف في السوق، ويصفر ويصفق ويصخب،
ويجمع الفارغين حوله بما يحدث من الصياح الفارغ والضجة الكاذبة.
لقد آن لمن تعنيهم كرامة الأدب أن يقتلعوا هذه الطفيليات، وأن يطهروا من حشراتها ونباتها رياضة،
وأن يقصوا عن مجاله هؤلاء الواغلين الذين يتخذون أسمى ما في الدنيا وأجل ما في النفس طبولاً لهم،
ويتذرعون بالتهجم على الدين -على دين واحد في الحقيقة- وعلى العلم والفلسفة والأدب لنيل ما يستحقون، ويفسدون عقول الناس،
ويبلبلون خواطرهم بما يغالطونهم فيه ويخادعونهم”.
ورحم الله العقاد حينما قال عنه:
” الرجل الذي يكتب ليحقد، ويحقد ليكتب” وكان هذا التعريض العقادي مما كان يتألم منه موسى لآخر يوم في حياته، كلما ذكره أو ذُكر به.
إن ما أتى به الدكتور من حديث وكلام جيد محمود قصده، لكنه متجرد من الإنصاف الحقيقي، وعرض الصورة مكتملة الأركان، حتى نعرف بدقة وبصدق، من هو ذلك الذي جعله بطل التنوير العظيم.
والحديث عن هذا الرجل ومسالبه ومخازيه الفكرية يطول ويطول، ولكني هنا أشرت في مسيرته إلى بعض الإشارات الطفيفة التي تظهر حقيقته.
ما هكذا تورد الإبل
ومع هذا نعود لنتضامن مع الدكتور في دوره التثقفيفي الذي لا ننكره عليه، لكن يا معالي الدكتور ما هكذا تورد الإبل.
كان يمكن للكاتب أن يعرض بهذا المنهج المتوازن مع أي أحد مهما كانت جنايته، لكن أن يطبقه على سلامة موسى بالتحديد.. فهذا مما لا أقتنع به ولا أقبل به بوجوده.
مع احترامي وتقديري لكل ما كتب الصديق الدكتور المحترم.
- حاتم سلامة يكتب: الشافعي «بيتكلم» مصري - الأثنين _27 _مارس _2023AH 27-3-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: الفرق بين يوسف إدريس والحكيم - السبت _4 _مارس _2023AH 4-3-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: أمة ماجنة أم مجاهدة؟ - الخميس _2 _مارس _2023AH 2-3-2023AD