تحدث في شبابه بكلام وأتى بشبه وأثار أغاليط، وأتى بمنكرات من الظنون والآراء والأفهام، ثم انتهى إلى صخرة اليقين بعد التذبذب والاضطراب، وأخذ يتحدث حديث المؤمن الموقن المتثبت، وقد كان من قبل في شك من أمره، فأوصله الشك الملح إلى اليقين الأكيد فلا ملام.
نعم فلا ملام
بهذه الكلمات تحدث العلامة الدكتور (محمد رجب البيومي) عن العميد (طه حسين) وهو يتناول الحديث عن كتابه (مرآة الإسلام) ذلك الكتاب الذي كان مفاجأة مذهلة، غير متوقعة من الدكتور طه حسين، بل صفعة عاصفة لكل من شايعوه من المردة والمنحرفين والأفاكين الجاحدين على الدين والرسالة.
وها هو يُقر بعدما ساق من أدلة في تبديد شبهات الدكتور العميد أمام القراء، أن الإنصاف يفرض عليه أن يذكر أمر مؤلفه الرائع مرآة الإسلام، والذي يعتبر البيومي أن طه هدم به كل ما سبق وذكره من قبل، ويعتبره كذلك عبر هذا الكتاب قد تراجع عن كثير من آراء المستشرقين التي اتبعها وأظهرها، وتبرأ منها بعدما عرف وأيقن فداحة أخطائها، وهذا ما يحمد له كل الحمد.
يؤمن البيومي أن إسلاميات طه حسين مهمة جدًا ولها تأثيرها، فهو يتمتع بأسلوب مشوق مطواع، وتأثير نفاذ على القارئ، فإذا تحدث عن القرآن الكريم في مرآة الإسلام حديث المؤمن الصادق، فقد سد مسدًا كبيرًا لا يتاح إلى غيره، لأن ذيوع اسمه، وجودة أسلوبه قد كسب للفكرة الإسلامية أناسًا لا يقرؤون كتب العلماء، بل عدونها نقولا وأقوالا متشابهة، فإذا حدثهم الدكتور عما يقوله هؤلاء العلماء، بنفاذه ونفوذه، فقد فتح المجال لعقول كثيرة، كانت تصم آذانها عن قول الحق، وآن لها أن تسمع!
وأنا أتعجب لماذا قطاعات كبيرة من المتدينين وأتباع الصحوة الإسلامية لا يغفرون للدكتور طه حسين شقاءه القديم؟ لقد أعلن الرجل في مؤلفاته تراجعه البين عن كثير من مخازي آرائه القديمة، ألم يكن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم، على الشرك البين ويحادون الله ورسوله، فلما حانت ساعة الهداية جب الإسلام لهم ما سلف من كيدهم؟!
بهذا المقياس يجب أن نتعامل مع طه حسين وندرك في حياته وعقله ورأيه هذه الحقيقة، وأن نرجع إلى خاتمة مؤلفاته، كتاب مرآة الإسلام ليكون هو الحكم النهائي الذي نبني عليه تقويمنا للرجل.
أما أن نهيم في الماضي، ونحيي أسفار الشباب، فذلك يظلم الإسلام نفسه، قبل أن نظلم نحن الرجل فلا ننصفه.
وهو ما تنبه له العالمة الدكتور محمد رجب البيومي، فأشاد بالرجل وأنصف الحقيقة وبين طريقه الجديد، وفهمه الرشيد.
لقد هاجم الدكتور البيومي كثيرًا من آراء طه حسين في معاركه الشهيرة، ووقف منه موقف الخصم العنيد، الذي حلل كل آرائه وأباد كل شبهاته، وفند كل ادعاءاته.
ثم لما وقع في يديه كتاب مرآة الإسلام، لم يخف البيومي أمره أو يواريه، فذلك شأن العلمانيين الجاحدين الذين يسوؤهم أن يقدم طه حسين هذا التراجع الكبير، وإنما تقدم لينصف الرجل ويثبت تراجعه عن كثير من آرائه الخاطئة في القرآن والرسالة، يقول البيومي: ” إن كتاب مرآة الإسلام صبح مشرق أتى بعد ليل حالك فبدد الظلماء، لقد توالت صفحات الكتاب بعد تنزيه القرآن الكريم مما سبق من شبهات، فتحدث عن تعاليم الإسلام وأثرها في رفع شأن المسلمين، حتى صاروا سادة العالم في أخلاقهم ومثلهم، ومثلهم، كما ألم الدكتور بأحداث مؤسفة أعقبت قتل الخليفتين عثمان وعلي آسفاً على ما كان، وقد جره ذلك إلى الكلام عن الأحزاب السياسية في الإسلام وأسباب وجودها. منتقلاً إلى الحديث عن الفرق الكلامية، والمذاهب الفقهية، وما كان من اشتغال المسلمين في عصور الانحطاط بالقشور دون اللباب مما أدى إلى تسلّط الاستعمار الغربي على أكثر بلاد الإسلام، آملاً أن تتحقق النهضة الإسلامية على قدمين هما إحياء التراث العربي القديم في أزهى عصوره، والانتفاع بما لدى الغرب من حضارة علمية تساعد على التقدم التام في فروع المعرفة الإنسانية.
إن كتاب (مرآة الإسلام) هو أصدقُ الكتب التاريخية التي ألفها الدكتور طه حسين وهو حبيب إلى القرّاء لسهولة أسلوبه ووضوح مراميه وما أنعم الله به على مؤلفه الكبير من حلاوة في الصياغة، وجمال في العرض، وتدفق في المعاني السهلة ذات المرمى البعيد”
لقد تحدث طه قديمًا عن تأثر العرب وارتباطهم وتواصلهم مع الحضارات المجاورة لهم، وموقفه من أهل الكتاب في الجزيرة العربية من اليهود والنصارى، وزعم قديمًا أن لليهود حضارة وثقافة ظهر تأثيرها في القرآن الكريم، أما في مرآة الإسلام، فنفى ذلك وتبرأ منه وذكر أمية اليهود فلا يقرؤون ولا يكتبون، وحتى من كان يكتب من أحبارهم، فإنهم أي الأحبار كانوا إلى الجهل أقرب منهم إلى العلم، وقليل منهم من كان يحسن العلم بدينه، فكيف بسائر اليهود؟!، ومن ثم فقد صار القول بتأثير اليهود في أسلوب القرآن المدني لدى الدكتور طه باطلا منكرا، فكيف بهؤلاء الجهلة أن يمدوا النبي صلوت الله وسلامه عليه بعلم وفهم ونور.؟!
ثم أخذ الكتاب يتحدث عن الأسلوب القرآني حديث المؤمن المهتدي، فنفى كل ما ذكره من قبل عن الأسلوب القرآني من الاقتضاب وانقطاع الحجة والتهويل، ثم ألم بحيرة العرب أمام هذا البيان المعجز وتخبطهم في سحره وعذوبته، والمتأمل لكلام الدكتور طه عن القرآن الكريم وأسلوبه وساحرية بيانه وإعجازة يجزم أن هذا الكاتب ما هو إلا إمام من أئمة الدين، وما كاتبه إلا داعية من دعاة الإسلام، أو أنه ذلك العاشق الهائم في كلام رب العالمين، المتعايش معه والمأسور بسحره وجماله وروعته الفتانة.
وهكذا طه حسين في أخراه، فهل غفرنا له مبتدأه وماضيه؟
- حاتم سلامة يكتب: الشافعي «بيتكلم» مصري - الأثنين _27 _مارس _2023AH 27-3-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: الفرق بين يوسف إدريس والحكيم - السبت _4 _مارس _2023AH 4-3-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: أمة ماجنة أم مجاهدة؟ - الخميس _2 _مارس _2023AH 2-3-2023AD