لا يمكن لي أبدًا أن أهدم تاريخ رجل أنجز في حياته كثيرًا من الإيجابيات، لمجرد هفوات وزلات رصدها المتلصصون المتربصون به وعليه.
كنت وما زلت أعد هذا عيبا في التفكير، وخللا في العقل والتقييم والرؤية.
وللأسف نجد قطاعات كبيرة من المتدينين من يسيرون بهذا العوج في الحكم، على كثير من الشخصيات والناس.
فلا يمكن أبدا أن يقيموا في أذهانهم وزنا لأي قيمة صدرت من أي رجل إذا علموا عنه سقطة من السقطات، فإذا بها في وجدانهم، تهدم تاريخ الرجل كله، ولا تبقي عليه في شيء.
هل تتخيل أنني قلت يوما: إن تيار القومية العربية على قدر مجافاته للتوجه الإسلامي، قد خدم تراث الإسلام وحضارة الأمة، حينما اهتم بكل ما أنجزه أسلافنا المسلمين ولكن تحت مسمى عربي.
ثم عاجلني ما قرأته يوما للأستاذ أنور الجندي، أنه كان يغتنم دعاوى القومية ليحي مآثر وأمجاد القادة والعظماء المسلمين، فلا يهم أن تقوم تحت أي مسمى، ولكن المهم أن تقوم ويعلمها الناس.
وكل عاقل ومفكر يعلم أنه لا قيمة للعرب بدون الإسلام، فهو الذي صنع مجدهم، ويوم تخلوا عنه، صاروا في زيل الأمم متخلفين متراجعين.
قرأت يوما للشيخ الغزالي في الحق المر، وهو يتحدث عن جهود القوى المعادية للإسلام فيقول: ” ولولا شجاعة رجل كسعد زغلول في مصر، لكانت اللغة الإنجليزية لغة الدراسة في مراحل التعليم الأولى، كما أن هذه اللغة لغة الطب وشتى العلوم في الجامعات إلى الآن”
وقلت وقتها ما أروع هذه العقلية المتسامية، التي تقف على المحاسن قبل أن تقف على المساوئ، في الوقت الذي يترنح فيه بعض الرجعيين، ليوقفوا حياة سعد زغلول كلها على لعب القمار الذي اعترف به في مذكراته، ليسقط في كل ميادين الحياة، ولا تكون له قيمة تذكر.
ثم يقولون بما يدعمون به شططهم: كان صديقا للإنجليز، ولعمري كيف يكون صديقا للإنجليز من يصمم على إحياء لغته ويتحدى مخططات المستعمرين في طمس هوية أمته وبلاده؟
وعلى أي نوع كانت تقوم هذه الصداقة، هل كانت الصداقة التي تفرضها الدبلوماسية، أم أنها صداقة من يرتمي في أحضان الغرب ويذوب في أهوائهم، ليكون ذراعا تنفذ لهم مايرمون إليه من مخططات.؟!
لقد كان للرجل غضبة عظيمة وصولة مشهودة ضد كتاب الشعر الجاهلي، منتصرا لدينه وعقيدته، فكيف لا نتذكرها أمام ما نرويه عنه من ازدراء؟!
كنت أتذكر عميد كليتنا أصول الدين والدعوة الذي كان يقف في فناء الكلية يدخن السجائر، فكان يصدم الطلاب بهذا المشهد، وكنت واحدا ممن يصدمهم هذا الفعل الكئيب، وكنا نتهامس، كيف يقوم عميد كلية الشيوخ، بمثل هذا الفعل، ولما كبرت، رأيت للرجل أثارا علمية مهمة جديرة بالقراءة والتأمل، ويمكن لكل طالب علم أن يستفيد بجهوده، ولا يعني هذا أنني أحلل فعله، ولكن يجب أن أكون منصفا متوازنا، لا ألغي المحاسن يوم أن تصدر السيئات.!
إن الساحة الإسلامية في حاجة إلى عقول نيرة واعية كبيرة، تتغاضى عن السفاسف وتنظر إلى العظائم التي تخدم الأمة وتحقق وجودها وتنصر هويتها.
- حاتم سلامة يكتب: عنصرية الأتراك - السبت _6 _أغسطس _2022AH 6-8-2022AD
- حاتم سلامة يكتب: قصة شيخ أزهري نذل - الخميس _4 _أغسطس _2022AH 4-8-2022AD
- حاتم سلامة يكتب: لا يقلون خطرا عن العلمانيين والملاحدة - الثلاثاء _2 _أغسطس _2022AH 2-8-2022AD