باسم الأدب وباسم الإبداع، ترتكب أكبر الجرائم في حق التاريخ، ويتم تشويه رموزه وحقائقه، والإساءة إليهم بأبشع الطرق والصور الزائفة المشينة.
فيأتي أحدهم ليقرأ رواية أدبية أو مسرحية تاريخية، فيجد هذه السموم الطافحة وهذا الكذب الفواح، فلا يسعه إلا أن يصدقه ويؤمن به ويعتقده،
وإذا ما كشف الزيف وندد به الواعون، تأتي الحجة الجاهزة التي يتقول بها المغرضون:
إنها الرمزية الأدبية يا قوم، التي يتحصن بها الأديب فيحلو له أن يفعل ما يشاء في قلب الحقائق وتزييف الوقائع.
جيل مسكين
وياله من جيل مسكين تربى على كتب طه حسين وتوفيق الحكيم،
التي كانت تحمل كثيرا من هذا الإفك المفترى على تاريخنا الناصع، ورموزه الزاهية،
لينزلوها من علياء السمو والبطولة، إلى حضيض الرخص والتدني.
ولعل طه حسين هو الأشهر في هذا الميدان بما كتب كثيرا من هذه الزيوف، أما الحكيم فكان أمره نادرا وجديدا،
لكنه لم يكن بعيدا عن ذات الجريمة، فهل تتخيل إماما عظيما كالعز بن عبد السلام، وهو من هو عزة وبطولة وشموخا في تاريخنا المجيد،
والذي لقب بلقبه المشهور سلطان العلماء، إذا بالحكيم يهدم هذه النفس الأبية التي حازت الفخار والعلو في دنيا البشر،
فيصوره في مسرحية السلطان الحائر، بأنه داهن في دين الله ونافق، ومس شعاره المقدسة،
وتعرف على غانية سيئة السمعة، وقدم أذان الفجر من أجلها، وفي جلسة مشهودة يعنفه السلطان ويتهمه بالتلاعب بالقانون،
حتى أنه جلس منكسرا أمامه خجلا من جريمته وصنعته المريبة،
بل صوره في صورة المجاذيب، فعلى رأسه ما يشبه الماجور، وتعلوه لفافة خضراء سمجة،
وله لحية قبيحة مسرفة في الطول، وفي يده مسبحة ضخمة الحبات، كالتي يضعها المجاذيب في رقابهم.
تمرير الكذب والعبث
وفي خطة جهنمية لتمرير هذا الكذب والعبث، حينما حكى وقص شيئا من بطولته في مطلع الصفحات، لكنه للأسف، يعرض في الصفحات التالية ما يندى له الجبين، وما يفقد احترام القراء لصاحب هذه السيرة العطرة الزاكية.
ومن فحش الحياة أن تظل مثل هذه الأعمال رنانة الذكر، رفيعة القدر، ويتخذ منها القراء مادة في ميدان الأدب والتاريخ،
يتعرفون منها على تاريخنا الماجد وهم يعتقدون أنها الصواب، فإذا به في أنظارهم تاريخ آسن كريه،
وإذا ما قرأت تاريخ العز، لما وجدت مؤذنا ولا غانية ولا سلطانا ملك تلك القدرة على تأنيب العز ولومه، وهو الذي كان يقرع بسلطانه هامة الملوك والأمراء.
ومن هنا جاءت دعوتنا الدائمة للحذر من هذه الكتب والمؤلفات التي تدثرت بستار الإبداع، ومن ورائها الكيد العظيم لتاريخنا وعظمائنا.
لقد وقف المدافعون عن الحكيم، يبررون فعلته على حساب التاريخ المظلوم،
وهم يبيحون للأديب أن يفعل ما يشاء تحت مسمى الرمزية،
ويدعون زيفا أن المقصود ليس العز بذاته ولكنه التحايل على الفتوى،
والغانية تمثل الشعب وتعلن رأيها في الحكام ولم يكن فجورها ليخجلها عن موقفها.
ولله در أحد الأدباء حينما رد هراءهم بقوله: ألا يجد الحكيم غير العز ليرمز له بالاحتيال،
وفي التاريخ من القضاة المشهود لهم بمثل هذه الوقائع؟! وإذا أردنا أن نرمز للشعب،
فلماذا لا نوجد رجلا شريفا أو امرأة شريفة، ولن يسقط ذلك من البناء الفني شيئا..
ليفعل صاحب الفن الروائي ما يشتهيه بعيدا عن المساس بهذه الرموز التاريخية
إن ما حدث ليس إلا تآمرا واضحا على التاريخ وأبطاله، الذين تتباهى بهم أمتنا، وجاء الحكيم ليهدم جذور هذا التباهي، ليجرد أمتنا من شرفها ومعاليها.
- الوسط الثقافي المصري يحتفي بمسيرة عبد الوهاب مطاوع - الثلاثاء _24 _يناير _2023AH 24-1-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: جريمة في حق التاريخ - الأثنين _9 _يناير _2023AH 9-1-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: موسم الهجوم على أحمد خالد توفيق - الجمعة _6 _يناير _2023AH 6-1-2023AD