الذين يحكمون على العقاد من خلال بلاغته، ويصفون أسلوبه بأنه: ثقيل ومعقد يجنح للتقعر والإبهام والصعوبة، هم لا شك مخطئون، لأن العقاد خرج بعلمه وعقله من هذه الحسبة وهذا التقييم..
الذي يثيره بعض القراء حول بعض الكتاب كل وقت وكل حين وكل مناسبة، فالعقاد يرقى إلى درجة الفيلسوف، بل هو الفيلسوف الذي يضارع كبار الفلاسفة.
حينما تقف على ما قدم العقاد من أفكار، تستصغر نفسك في ذلك اليوم الذي حاولت فيه الانتقاص منه،
أو نقده في قضية الأسلوب، فالرجل أكبر وأعلى من ذلك بكثير.
وإنني لأتعجب اليوم لفئات من المتدينين، وهم يتخذون موقفا سلبيا من العقاد، ويعظمون عليه الرافعي،
مع أن باع العقاد في الدفاع عن الإسلام والزود عن تراثه، أكبر وأكثر بكثير مما ترك الرافعي!
ربما كان الرافعي أشرس، لكن ما قدمه العقاد جعله يحوز هذا اللقب الكبير المتفرد ليكون أفضل من دافع عن الإسلام في القرن العشرين.
يقول قائل مباهيا: الا تذكر ما فعله الرافعي في العقاد حينما صلاه على السفود؟!
ولكن قولي لهم ما قاله الرافعي نفسه عن العقاد بقوله:
«لا ننسى أن العقاد الآن في رأي نفسه، ورأي كثيرين، جبار الكتابة، فنحن نريد أن نضع أنف هذا الجبار في الأرض مقدار ساعتين على الأقل،
لأنه لم يتجرأ عليه أحد حتى الآن، والذين كتبوا عنه لم ينالوا منه نيلًا، وطه حسين لم يكد يمسه مرة حتى هرب وأخذ ينافق له ويتملقه».
أرأيت مقدار ساعتين يستطيعهما الرافعي بجلال قدره، كما أنه يعترف أنه لم يتجرأ عليه مجترئ،
أي أن ما فعله مجرد جرأة، والجرأة مجرد حالة عارضة، لا تدل على دوام واستقرار.!
ألا وإن هذا الحب الفريد من جانب بعض المتدينين للرافعي يسترعي الدهشة والاستفهام والتعجب والبحث عن إجابة شافية،
خاصة وأن الرافعي لم يكن شيخا من الشيوخ، أو فقيها من الفقهاء؟!
وإنما هو كاتب هويته دينية، وقبل هذه الهوية، كان الأديب الذي أحب مي وكتب رسائل الأحزان.
وإن كان الرافعي أحيا ما اندرس من ثقافة الإسلام، وأثبت حضوره ووجوده،
فإن العقاد ترقى في هذا الميدان فحاز فيه درجاته العلى، ونال قصب السبق فيه،
مما جعله رمزا من رموز الإسلام، قبل أن يكون رمزا من رموز الأدب.
- حاتم سلامة يكتب: ياله من رجل - الجمعة _20 _مايو _2022AH 20-5-2022AD
- حاتم سلامة يكتب: شيرين أبو عاقلة.. ومعترك العقيدة - السبت _14 _مايو _2022AH 14-5-2022AD
- حاتم سلامة يكتب: دعاوى شيطانية - الأحد _8 _مايو _2022AH 8-5-2022AD