منذ أيام شرفت بمناقشة رواية تحت عنوان (هوه مين الحرامي) للأديب النابه معتوق سرور، معتوق سرور واستلفت نظري في ثنايا الرواية، مشهدين من مشاهد انكسار الرجولة، والرجولة لا يكسرها مثل الفقر والعوز، فيمكن للرجل أن يبكي لأي شيء ويقبل منه ذلك ويحمد عليه، إلا أن بكاءه من أجل الفقر والاحتياج صورة مرة تفتك بالقلوب وتهز الوجدان.
رجل يبكي من أجل الفقر والاحتياج؟ ياله من مرار!
كان ما قرأته في هذه الرواية مصادفة عجيبة للحال الذي نمر به اليوم، ويبدو أن مشهد انكسار الرجولة وبكاء الرجال من أجل الفقر لن يكون عزيزا في هذه الحقبة، ويمكن بكل سهولة أن نرى من يبكي لأنه لا يستطيع إطعام أولاده أو كسوتهم أو علاجهم.
بل جاء ما قرأته في هذه الرواية مصادفة عجيبة مع ما قرأته من أحداث وأنا أتباع المشهد الأدبي والثقافي على الساحة الأدبية، فإذا بي أجد صديقين من كبار الكتاب يغمزون الفقر والغلاء بأقلامهم.. مما جعلني أتعجب من هذه المواءمات، ولكن لم العجب والأديب مرآة صادقة لواقع الحياة وبلاء المجتمع؟!
كان الأول هو الصديق الدكتور سليمان شعيب د. سليمان جادو شعيب والذي كتب مقالا طريفا بعنوان موجة الغلاء وجنون الأسعار إلى أين؟ استهله بتلك المقاربة الطريقة عن جنون الطماطم، وأن كل السلع من الخضروات والفاكهة واللحوم والأسماك والدواجن قد عرفت طريقها للجنون وشاركت فيه الطماطم التي لم تعد تتمتع أو تستأثر بالجنون وحدها. أما الدهشة الكبرى في الأديب الخمايسي أشرف الخمايسي الذي ركب المترو أثناء ذهابه للعمل، وأخذ يفكر ويتأمل حالة طبق البيض وما وصل إليه وقال:”:
هل يأتي اليوم الذي يصير فيه بيض الدجاج طعاما للأثرياء فقط؟
حتى قبل أسابيع قليلة لم يكن متصورا أن سؤالا كهذا يمكن طرحه، ولو سئل لعد سؤالا غرائبيا ذي طبيعة سوفسطائية، فعلى طول الزمان، بمرور الدهور والعصور، ومذ عرف الإنسان إمكانية تناول بيض الدجاج، كان البيض أبسط أطعمة الناس متوسطي الثراء والفقراء، بيد أن، وقبل أسابيع قليلة، أصبح شراء طبق بيض مشكلة حقيقية معضلة، ومشكلة مأساوية في طريقها للتفاقم، فلا دالة في مجال الرؤية تشير إلى إن البيض سيتوافر، بل المرئي بوضوح هو العكس”
ولم ينقض من الوقت كثيرا حتى رأينا الفن نفسه في مواجهة الفقر والغلاء، واستغلال الذكاء في النصب والاحتيال، حينما أدهشنا مجموعة من الفنانين بتجسيد هيكل لمقبرة فرعونية طبق الأصل، ونسخة بالكربون، مع تزييف بعض التماثيل والاكسسوارات، مما جعل الناس يحتارون فيما رأوا وشاهدوا، ودفعتهم القدرة الفنية الهائلة، ان يتجاوزوا مسألة النصب والاحتيال، ويعترفوا بمهارة الفنانين، والانبهار بهذا الابتكار في استغلال الفن بهذه الصورة الاحتيالية التي لا يمكن أن ترد على ذهن الشيطان نفسه.
لكن الجميع غاب عنه أن الفقر يقود للجنون.. والجنون فنون كما يقولون.
ومع الأيام القامة سوف نرى كثيرا من المدهشات والأعاجيب، تحت نير الفقر وسيف الاحتياج، فالحاجة أم الإختراع..
بقي أن أشير أنني من قرية ريفية من قرى المنوفية، التي أخذت تتفشى فيها سرقة الماشية بصورة متكررة، لكنني أقول طالما أن الأمر لم يصل بعد لقتل الارواح، فما زلنا بخير..
يارب سلم سلم.
- حاتم سلامة يكتب: الفرق بين يوسف إدريس والحكيم - السبت _4 _مارس _2023AH 4-3-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: أمة ماجنة أم مجاهدة؟ - الخميس _2 _مارس _2023AH 2-3-2023AD
- حاتم سلامة يكتب: الأدب والفن في مواجهة الفقر - الثلاثاء _21 _فبراير _2023AH 21-2-2023AD