بعد النجاح الذي حققه الرئيس السبسي، في إعادة النظام الذي خرج من رحمه، وكاد أو قارب أن يكتب شهادة وفاة لثورة 2011م، ولكن هناك بعض التخوفات من هكذا قرار، فكان لا بد من جس نبض روح الشارع التونسي، هل ما زال يؤمن بثورة 2011م، أم أنه ندم كل الندم على إقدامه على ذلك الحراك، حامدًا شاكرًا أنه لم يحصل في تونس، ما حصل في الجارة الشرقية ليبيا، أو ما حصل في أرض المشرق مثل سوريا واليمن والعراق، ولكن مع كل هذا، لا بد من اتخاذ قرار، يتأكد من خلاله أن نبض الثورة قد توقف، وأن الشارع التونسي، مثل بقية الشوارع العربية، الأمن مقدم على الحرية، وخير ما يجس النبض، ويظهر الروح الحقيقية للشارع العربي عموما، العزف على أشدِّ وَتَرٍ حساس، العرض والدين، وهو ما جعل الرئيس يقدم على ذلك القرار(التساوي في الميراث، والزواج من غير المسلم).
ولكن النتائج جاءت على العكس تماما، أراد أن يُشْغِلَ الرأي العام التونسي، ويَحِيدَ بهم عن أمر هام، وهو الفشل الذي ورط نفسه فيه، حيث كان يتهم حكومة النهضة بأنها فاشلة، وأن في تونس من الكوادر ما يجعلها، أقل شيء، مثل إسبانيا أو البرتغال، ولكن بعد أن لبس الفشل، ولم يتحقق أي شيء، مما وعد به في حملته الانتخابية، التي واجه فيها الرئيس المنصف المرزوقي، والذي يعتبر ابن الثورة، إلا أنه يُسَجَّلُ للرئيس السبسي أنه أعاد هيكلة نظام بن علي، الذي قامت الثورة ضده، ما يعني أنه أمَّن نفسه، وأَمَّن منصبه، ولكن حتى يطمئن كل الاطمئنان، ويتأكد أن الثورة فعلا قد أصبحت من تاريخ تونس الحديث، وأن شيئًا اسمه الثورة، قد وضع في إِضْبَارَةٍ في رفوف المخابرات، وشمع بالشمع الأحمر، ولا يفتح إلا في بعض الجلسات الخاصة، فكان لا بد من الإقدام على هذا القرار الحساس والجريء.
ومهما يكن من أمر القرار، فإن مُخرجاته لا محالة ستصب في مصلحة الرئيس التونسي؛ فلو خرج أي حراك مدني، يرفض هذا القرار، فإن الرئيس يتراجع، ويعلم الشعب التونسي مدى الحرية التي يعيشها في زمن الرئيس السبسي، وأن هذه الحرية من مُخرجات الثورة، وهذا يجعل الشعب يتريث نوعا ما، ويتناسى مطالبة الرئيس بوعوده، التي ظهر أنها وُعُودٌ هُلَامية (سطحية)، مثل كل الوعود العربية، في الحملات الانتخابية.
وإن كان العكس، كما ظهر، فهذا أكبر انتصار للرئيس، وذلك بأنه تأكد يقينا، أنه لم يبق شيء في تونس اسمه ثورة، وأن الحراك المدني، مشغول بحاله، أما الحراك الإسلامي، فإن النهضة وبصفتها مشارك في الحكومة، وبعد القبول بقرارات الرئيس بصفتها (النهضة) مجموعة سياسية لا دينية، أما الحراك الإسلامي المتشدد فمعلوم من أين يتلقى الأوامر.
وبعد خيبة أمل الرئيس التونسي، وذلك أنه لم يتفاعل ضده الشارع التونسي، فراح يبحث خارج تونس، مثل إنكار الأزهر عليه، وإن كان صوت الأزهر قد خفت كثيرًا، خاصة بعد مواقفه الباهتة من الثورات العربية، والتي لم يظهر فيها أنه مؤسسة عالمية مستقلة، وبدا وكأنه إدارة تابعة لمؤسسة محلية؛ ولذلك لم يتفاعل الشارع التونسي مع إنكار الأزهر، ولا حتى مع إنكار علماء الزيتونة الرافض لقرار الرئيس؛ لأن عامة أهل تونس يعلمون أن شيوخ جامع الزيتونة اليوم مُعَيَّنِين، وليسوا منتخبين من طرف هيئة دينية مستقلة، وهذا هو حال كل المؤسسات في الوطن العربي.
والغريب في هذا، أنه لما خرج الشيخ وجدي غنيم من تركيا، واصفا الرئيس السبسي بأنه كافر، لأنه غَيَّرَ حكما شرعيا، معلوم من الدين بالضرورة، ليس بغريب على الشيخ وجدي هذا الذي صرح به، لأنه قبل هذا، كفر كثيرًا ليس من العلمانيين فقط، بل حتى شيوخ دين، فإذن هذا أمر عادي من الشيخ وجدي، وخاصة وأنه يعادي بقوة النظام في مصر، وكفر كثيرا من مؤيديه من شيوخ مصر، ثم إذا علمنا أن الشيخ يتكلم من تركيا بلد العلمانية، والتي فيها حرية مطلقة للكل.
الغريب أن بعض التوانسة العلمانيين، لم يعجبهم كلام الشيخ، وقالوا هذا شأن داخلي ما دخل الشيخ فيه، وقدموا عارضة للسفير التركي في تونس، بَيَّنُوا فيها إنكار التوانسة لِمَا صرح به الشيخ وجدي، وطالبوا بمحاكمته.
أغرب من ذلك، كيف لمجموعة من العلمانيين تصرح بأنها علمانية، وأنها غَيَّرَتْ أَمرًا شرعيا، تنزعج من شيخ كفر حتى المسلمين، ثم أين يطالبون بمحاكمته؟، في تركيا بلد العلمانية.
وبلفتة صغيرة فقط، ندرك يقينا أن النظام في تونس، لَمَّا لم يتفاعل معه الشارع التونسي، ولم يرفض الحكم، وكذلك الأمر بالنسبة لهيئة كبار العلماء في السعودية، التي لها صَدًى كبيرٌ في الشارع التونسي، راح يبحث عن أيِّ سَبَبٍ يُحدث من ورائه ضجة إعلامية، فكان خير مَن يُحدِثُها الشيخ وجدي؛ لأنه له صَدًى مَقبولٌ في الشارع التونسي، وفي الوطن العربي، خاصة بتصريحاته الجريئة، ضد الأنظمة العربية، والمؤسسات الدينية.
وَإِنْ دَلَّ هذا على شيء(المطالبة بمحاكمة الشيخ وجدي)، فهو يدل على أن الثورة قد أصبحت من تاريخ تونس، ولم يبق للرئيس السبسي إلا أن يكتب شاهدا ويوضع على قبرها الرمزي، هنا ترقد الثورة التونسية، طبعا بمشاركة أعضاء حركة النهضة، والتيار المدني.
ثورة تونس
الميلاد: 14\01\ 2011م
الوفاة يوم: 31\12\2014م.
- عنتر فرحات يكتب: زلزال سوريا وأدوات نظام العولمة في الاختراق والسيطرة - الأثنين _13 _فبراير _2023AH 13-2-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: نفوذ أمريكا ونظرية قريش في السيطرة الناعمة - الأحد _29 _يناير _2023AH 29-1-2023AD
- عنتر فرحات يكتب: نظرية قريش السياسية والألغارشية العالمية اليوم - السبت _28 _يناير _2023AH 28-1-2023AD