وجه العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، رسالة إلى الأردنيين، الخميس، رآها البعض طيًا لصفحة “قضية الفتنة” التي مضى عليها أكثر من عام للأبد؛ بينما رأى آخرون أن ثمة في الأمر جديد.
جذور القضية
وتعود جذور القضية إلى أبريل 2021، عندما اتهمت الحكومة الأردنية الأمير حمزة بالتورط والمشاركة في مخططات هدفها زعزعة أمن الأردن ونظام الحكم، وفق قولها.
رسالة الملك
وقال الملك عبدالله الثاني، في رسالة وجهها إلى الأردنيين، الخميس، إنه “قرر الموافقة على توصية المجلس المشكل بموجب قانون الأسرة المالكة، بتقييد اتصالات الأمير حمزة وإقامته وتحركاته”، مشيرا إلى أن أخاه “يعيش في حالة ذهنية أفقدته القدرة على تمييز الواقع من الخيال”.
وأضاف “أن أخي الصغير سيظل يعيش في حالة ذهنية أفقدته القدرة على تمييز الواقع من الخيال. وتيقنت وقتها أيضا، صعوبة التعامل مع شخص يرى نفسه بطلًا وضحية في الوقت نفسه”.
ويضم المجلس المشكل بموجب قانون الأسرة المالكة، الأمير علي بن الحسين، رئيسا، وعضوية رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، ورئيس محكمة التمييز، محمد الغز، ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، إبراهيم الجازي، وقاضي القضاة، عبدالحافظ الربطة.
رسائل متضاربة
وكان الأمير حمزة قد بعث برسائل متضاربة لأخيه الملك عبدالله منذ بداية العام الحالي.
ففي مارس قدم اعتذاره عما بدر منه، وتعهد بعدم تكرار ما حصل، وبعد أقل من شهر عاد ليعلن تخليه عن لقب “الأمير”، مشيرًا إلى أن قناعاته الشخصية لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسسات الدولة.
رأي العناني
ويرى رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق، جواد العناني، أن بيان الملك، الذي كشف فيه، الخميس، عما كان يدور داخل العائلة المالكة في التعامل مع الأمير، يبعث رسائل للأردنيين “لضبط الأمور وإنهائها” خاصة في ظل استمرار تداعيات قضية الفتنة.
وأوضح العناني في حديث لموقع “الحرة” الأمريكي، أن “تقييد حرية الأمير” تعني أنه “لن يكون له دور مستقبلي، ولن يكون في يوم من الأيام وليًا للعهد أو ملكًا أو أن يكون له دور في إدارة شؤون الدولة”.
مالك العثامنة
وأشار الكاتب والمحلل السياسي، مالك العثامنة، إلى أن “تقييد الحرية الذي أقره مجلس الأسرة المالكة، ما هو إلا تكييف قانوني يختص بقانون الأسرة المالكة، والذي يعني تقييد وسائل الاتصالات المتاحة للأمير، وتقييد تحركاته وحصرها بمقر إقامته”.
وأوضح أن “هذا الأمر لا يعني أن الأمير سيكون في ما يشبه السجن، ولكنه لن يحصل على مساحة الحرية ذاتها التي كان يتمتع بها سابقًا، خاصة في ما يتعلق باتصالاته الخارجية، وأنه سيطبق عليه تقييد لتحركاته من خلال أجهزة إنفاذ القانون والضابطة العدلية”.
ويقول العثامنة المقيم في بلجيكا، لموقع “الحرة” إن هذا القرار ليس بجديد وأن “الملك كان يسعى لطي الأزمة داخل الأسرة الملكية، إذ إن التوصية من المجلس المشكل بموجب قانون الأسرة المالكة تعود إلى ديسمبر 2021”.
وأعاد العثامنة التذكير بما نشره في مقال سابق له عبر موقع “الحرة” بأن “جلسة خاصة عقدت في السادس من مارس الماضي، بين الملك عبدالله والأمير حمزة، بحضور الأمراء فيصل وعلي، حيث وجه الملك رسالة للأمير رد فيها على العديد مما يطرحه الأمير، وكانت تحمل جزءا كبيرا من العتب على ما فعله الأمير، إذ تم الاتفاق في حينها على خارطة طريق للتعامل مع مجريات الأمور، ولكن بعد أسابيع خرج الأمير ليعلن تخليه عن لقبه”.
اغتيال شخصية
من جانبه قال المحلل السياسي، نصير العمري في مقابلة مع قناة “الحرة” أن رسالة الملك “فيها تمزيق واغتيال لشخصية الأمير.. إذ إن فيها كثيرا من التشنج، ومن الواضح وجود عصبية في وصف الأمير حمزة بأنه غير متزن، وينقض العهود”.
وأضاف العمري وهو مقيم في الولايات المتحدة أن “الملك يعلم تمامًا أن الأمير حمزة يطلق عليه في الشارع الأردني لقب أمير القلوب، وهو قريب من نبض الشارع، ويعاني حاليًا ما يعانيه الأردنيون، إذ يوجد عشرات من معتقلي الرأي في البلاد، كما أنه يعاني من الفساد الذي اشتكى منه الأمير عندما حمل الملك مسؤولية الفساد والترهل في الدولة”.
زيارة واشنطن
وجاءت الرسالة الملكية بعد نحو أسبوع من زيارة الملك عبدالله الثاني لواشنطن، والتي التقى فيها بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، وبحث فيها عددا من القضايا الإقليمية التي تهم الشرق الأوسط.
ولم يستبعد العثامنة وجود ارتباط بين القرار وزيارة واشنطن، مشيرًا إلى أنها “قد تكون حسمت الموقف” بدعم قرار الملك، أو بوجود تفاهم مع واشنطن للحديث حول الموضوع الذي قد يرتبط “بالسعودية ولو من بعيد”، خاصة في ظل وصف الملك لمدير مكتبه الأسبق، باسم عوض الله بالخائن للأمانة، ما قد يعني وجود “تسوية مع السعودية تمر عبر واشنطن”.
في المقابل، لا يرى جواد العناني وجود ارتباط بين موعد اتخاذ القرار والزيارة الملكية الأخيرة لواشنطن، إذ إنها شأن داخلي يخص العائلة المالكة، وكل ما يهم الولايات المتحدة الحفاظ على استقرار الأردن كحليف أساسي في الشرق الأوسط، وهو ما كان واضحًا في البيانات الرسمية التي صدرت من البيت الأبيض بالحديث عن مشاريع إقليمية تساهم في استقرار المنطقة، حسب قوله.
سلوك الأمير
وقال الملك عبدالله الثاني في رسالته إنه “بعد عام ونيف” استنفد الأمير “كل فرص العودة إلى رشده”، إذ إنه “يتجاهل جميع الوقائع والأدلة القاطعة، ويتلاعب بالحقائق والأحداث لتعزيز روايته الزائفة. وللأسف، يؤمن أخي حقا بما يدعيه. والوهم الذي يعيشه ليس جديدا”.
وأشار العثامنة إلى أن أنه “يستغرب سلوك الأمير الذي كان وليا للعهد في وقت سابق، ويعلم تمامًا بأن ما قام به يخالف القانون والدستور”.
وأضاف أن سلوكيات الأمير تكشف إما “أنه في حالة غير سوية، أو أن لديه استراتيجية معينة لمشروع سياسي يصبو له، إذ كان قد تعهد بالالتزام بخارطة طريق مع أخيه الملك، ولكنه عاد وتنصل منها”.
هل تطوى الأزمة؟
وقال الملك في رسالته إن الأردن “لا يملك ترف الوقت” للتعامل مع “روايات” الأمير، إذ إن أمام الدولة “الكثير من الأولويات الوطنية والتحديات التي يجب أن نواجهها بشكل سريع وصارم”.
ويرى العناني، أن الملك أراد “طي قضية الفتنة” من خلال الرسالة التي كاشفهم فيها بمجريات تعامل الأسرة المالكة مع الأمير.
وأكد أن الأسرة المالكة الهاشمية عادة ما تبقي التعامل مع الخلافات داخل العائلة، بغض النظر عن حجم الخلاف، معيدا التذكير بالسياق التاريخي لولاية العهد عندما أرسل الملك الراحل الحسين بن طلال، رسالة لأخيه الأمير حسن بعدما عزله عن ولاية العرش، وسلمها لابنه الأمير عبدالله في حينها.
ولفت العناني إلى أن ما ميز الخلاف مع الأمير حمزة، وجود أطراف خارجية كانت تسعى للتأثير على مجريات الأمور.
بدوره يؤكد الكاتب العثامنة “أن رسالة الملك وتقييد حرية الأمير، لن تطوي الأزمة في الأردن، وأن الأمر لن يحسم سوى باستعادة الدولة بمؤسساتها وإغلاق أبواب الشعبوية أمام الجميع، وأن يتحول الأمير إلى مواطن لا يملك أي امتيازات وتحويله للمحاكمة القانونية، لسماع وجهة نظره”.
ويشرح أن “الملك عبدالله وأجهزة الدولة الأردنية في حالة استدارة ومراجعة للقرارات، لحماية الدولة، إذ لا يمكن تناسي أن الملك بشخصه كان يدافع ويحمي باسم عوض الله المرتبط بقضية الفتنة”.
ويرجح المحلل السياسي العمري أن ما حصل مع الأمير حمزة عزز شعبيته، وأنه من الواضح أنه “يقود المعارضة” في الأردن، وهو “أمر غريب”، لافتا إلى أن التعديلات الدستورية الأخيرة في الأردن جعلت “الملك على رأس السلطة التنفيذية”.
ويرى أن الرسالة الملكية وضعت “خطًا فاصلًا، بين نهج فساد، ونهج يطالب بالإصلاح يعبر عنه الأمير حمزة”.
وقال المحلل السياسي، زيد النوايسة، في حديث لقناة “الحرة” إننا “نتمنى أن يكون ملف الفتنة قد طوي في الأردن، ولكن إنهاء الملف مرتبط بتوافر الإرادة والرغبة لدى الأمير حمزة، والمطلوب منه الاحتكام للدستور الأردني الذي يحدد أدوار أفراد الأسرة المالكة”.
وأكد أن “جميع الأمراء بما فيهم الأمير الحسن بن طلال، والأمير هاشم، الأخ الشقيق للأمير حمزة يدعمون قرار مجلس الأسرة وما وافق عليه الملك عبدالله”.
وفي عام 1999، سمى الملك عبد الله، أخاه غير الشقيق الأمير حمزة وليا للعهد بناء على رغبة والده الملك الراحل الحسين، وفي 2004 تم تنحية حمزة ليسمي الأمير حسين نجل العاهل الأردني عام 2009 وليا للعهد.
وكانت محكمة أمن الدولة قد أصدرت في يوليو الماضي حكما بالسجن 15 عاما بحق رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد في قضية الفتنة، بعد إدانتهما بمناهضة نظام الحكم وإحداث “الفتنة”.
الأمة ووكالات