- بشير بن حسن يكتب: كيف تصبح سلفيا؟ - الأربعاء _21 _أكتوبر _2020AH 21-10-2020AD
- قولوا ديكتاتور.. ولا يهمني! - السبت _15 _أغسطس _2020AH 15-8-2020AD
- بشير بن حسن يكتب: الآداب المفقودة تجاه المقابر - الأثنين _29 _يونيو _2020AH 29-6-2020AD
الإصلاح تكليف شرعي، وواجب إسلامي، وخُلق إنساني، أمر الله به، وجعله وظيفة للإنسان في هذه الأرض، كما قال جل شأنه (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) والنهي عن الشيء تكليف بضده، وقال موسى لأخيه هارون عليهما السلام: (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين).
وقال شعيب عليه السلام(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب).
بيْد أن الإصلاح ليس له ميدان خاص به، كما يعتقد كثير من “الإسلاميين “،حيث أنهم حصروه في المساجد، وعلّقوا آمالهم عليها، وقالوا: ننطلق من المساجد لنصلح الدنيا بأسرها كما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد ! وهذا الذي سمعناه منهم سنين عددا، فانتظرنا آثار تلك الإدعاءات على أرض الواقع، فلم نجدها إلا أثرا ضعيفا أو منعدما إلا ما رحم ربي!
والإشكال كله في محدودية عقولهم وفهومهم، وضيق نظرتهم للدين الإسلامي الحنيف، ولو زعموا أنهم خدامه و جنوده !!
وللتصحيح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينطلق من المسجد للإصلاح، بل ظل في مكة ثلاث عشرة عاما ليس له مسجد، بل حتى المسجد الحرام كان عاجّا بالأصنام !!
ومع ذلك فقد دعا إلى الإصلاح، و استجاب من أراد الله بهم خيرا من أبناء الرعيل الأول، والجيل الأمثل لهذه الأمة، فكل من دخل في الإسلام في تلك المرحلة، كان محل ثناء الله عليه في الدنيا قبل الآخرة، (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار…..).
وما بنى المسجد إلا لما هاجر، ومع ذلك لم يحصر دعوته الإصلاحية في المسجد فقط، بل كان يدخل كل ميادين الحياة، يزور الأُسر، ويمشي في الأسواق، ويسافر، ويستقبل الوفود، في المسجد، وربما في بيته، بل حتى فيما يتعلق بالصلاة قال (الأرض كلها مسجد) !! ليغرس المفهوم الشمولي للإسلام والعبادة،
وعلى هذا فميادين الإصلاح، هي كل مكان في الدنيا، كالمؤسسات المالية، والتعليمية، والإعلامية، والاقتصادية، والثقافية، والفنية، والاجتماعية، والصحية، والسياسية و غيرها من مجالات الحياة المختلفة، وما المساجد الا جزء من تلك المجالات!!
وإن ذلك المفهوم الضيق الذي لا يزال كثير من الإسلاميين يتبنونه، جرّ للأمة الكثير من الويلات منها:
1- الوقوع في العزلة عن المجتمعات، وإخلاء ميادين الحياة للمفسدين، حيث وجدوها مرتعا لهم، يفعلون ما شاؤوا، بلا حسيب ولا رقيب.
2- عجز الكثيرين عن استيعاب تلك الميادين لجهلهم بطبيعتها أو هم في انتظار أن يأتي أصحابها إلى المساجد ليتم إصلاحهم فيها !! وقد لا يدخلونها إلا وهم موتى محمولين على الأكتاف للصلاة عليهم.
3- استحالة التغيير والإصلاح بعد ذلك بسبب اتساع دائرة الفساد وسرعة انتشاره لا سيما نتيجة تطور وسائله الحديثة التي لا يملكها الإسلاميون في الغالب !!
هذه بعض السلبيات التي نتجت عن ضيق الفهم لميادين الإصلاح، وليس كلها !!
كما لا بد أن يدرك هؤلاء، أن المساجد التي يعلقون الآمال عليها، لا تزال راضخة تحت إشراف وزارات الشؤون الدينية في العالم العربي والإسلامي، والتي كثيرا ما تتحول إلى أداة في أيدي تلك الأنظمة الاستبدادية، فلا تؤدي بعد ذلك رسالاتها المنشودة، أو هي تحت إشراف الجمعيات الثقافية الدينية في بلاد الغرب، والتي تتلاعب بها المخابرات أو القنصليات، للتضييق على أنشطتها و الحدّ من عطائها (إلا ما رحم ربي).
وعلى هذا، أقول للجميع، المساجد اليوم، لا تعدوا أن تكون دورا للعبادة، من صلوات وذكر لله، و قراءة القرآن، وشيء من الروحانية الضرورية للمسلم، فلا مستقبل فيها ولا أمل في أن تتحول إلى قلاع للإصلاح، فعلى الغيورين، أن يدركوا هذا الواقع، وهذا التحدي الكبير، وان يفقهوا مرحلتهم، وان ينغمسوا في المجتمع المدني، وأن يعملوا على تكوين الجمعيات المختلفة الأنشطة، متوكلين على الله، مستعينين به، آخذين بالأسباب، صادقين في نياتهم، متحلين بالصبر والشجاعة، عملا بقوله تعالى:
(ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ** وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)
والله من وراء القصد.