الموت هذا الوجه الآخر للحياة،الذي لا يراه الجميع عن قرب،إلا حين تغصّ بالموتى الأرض.
ففي لحظة وثوان معدودات غاب وجه الحياة، وقام زلزال في تركيا وسوريا، كادت أن تنهار أمامه الجبال واستسلم أمام قوته أولي القوة من الرجال،لتبقى الصرخات من تحت الأنقاض لصغارٍ ضعفاء تصم الآذان
اسمعوهم وما يقولون:
_ يا أعتى الوحوش العسكرية التي قامت بأفظع الحروب الدموية،لايمكنكم أن تكونوا بمثل قوتنا ونحن نعانق الحياة.
_ يا أيها الجبابرة الطغاة تعلموا منا نحن الأطفال الضعفاء أن الحياة ليست حكرًا على الأقوياء
_ يا أيتها الوحوش البشرية التي تعاني انفصام الضمير
أليست هذه الدماء التي تبحثون عنها الآن بدعوى الإنسانية لإنقاذ من أصيبوا بفقر دم تحت الأنقاض أو بنزيف حاد هي نفسها الدماء التي هدرتموها بفظائعكم الدموية؟
_ يا أيها المستبدون ألم نسقط سلطة الإنسان أمام سلطة الإنسانية، فكل شيء في آن صار مقسّم بين بني الإنسان: أموالهم، دماؤهم، وقتهم، دموعهم،…إلخ
فكيف أمكن للإنسان مقاسمة كل شيء في لحظات وعجز أن يتقاسم الأرض بفروقاته الاثنية والعرقية والدينية؟
_ يا أيها الإنسان هل أصبحت في كل آن بحاجة إلى كوارث طبيعية كي تكترث بالإنسانية؟
_ يا أيها المغيبون استوعبوا درسنا،فنحن قد عشنا بضعة أشهر وبضعة أيام في هذه الحياة،ولانملك أية حسابات بنكية،لكننا امتلكنا بقوة ضعفنا وقلة حيلتنا أكبر المساعدات المجانية،ممن عاشوا أعواما في هذه الحياة يجمعون أموالهم كما يجمعون الأوكسجين لرئاتهم.
إننا بدهشة نظراتنا لا ندرك فداحة واقعنا ونحن تحت سقف يقع على رؤوسنا،وأعمدة بنايات منهارة تحيط ببنيات هشاشة أجسادنا، إننا لانحتفي بالموت الذي تريدون، ولا نعرف شيئًا عن الهوية التي لقرون وأنتم حولها تتقاتلون.
إننا في هذه اللحظة لا نريد سوى أن نلقّنكم الحياة، أنتم الذين لا تحسنون سوى تلقين الموت.
_ ياأيها المستبدون،الطغاة،العنصريون الحياة لا تُمنح بالهوية ولا تحسن وضع المساحيق،لكنها ستهوي بضمائركم الميتة في واد من اللعنة سحيق.
_ ياأيها الساخرون الذين سخرتم من زلزال تركيا وسوريا شماتة في المسلمين،قد سقطتم في فجور الكراهية وفي أسافل البهيمية، فما أحدث الزلزال في إنسانيتكم من شقوق لا يمكن أن تنفذ إليها أية أنوار، ولو أتوا لكم بكل فلاسفة عصر الأنوار، لأنكم آثرتم عيشة الزبون الذي يشتري مايشتهي من غير أن يفكر في العطاء،كبالون فارغ،كلما حاول الإمتلاء وجد أنه لايملؤه سوى الهواء.
ولا يخرجكم من ليلكم المدلهم سوى نور الإسلام الذي جعل الرحمة أكبر قوة تجمع بين بني البشر،فلم يميز بين ذكر أو أنثى،عربي أو عجمي،أبيض أو أحمر.
و رغم ما نبديه أمام صنيعكم من نكران واستياء إلا أننا لا نجعل في ذلك من بعض المسلمين استثناء،أولئك الذين كلما وقعت واقعة طبيعية راحوا يصيحون تلك غضب من الله عز وجل أو هي أمارة من أمارات الساعة،فلتقفوا أنتم وتتفكرون لساعة:
_هل هذا أقصى ما بلغه وعيكم بدينكم؟
_ هل أنتم وكلاء الله في أرضه،فتوزعون على هذا رحمته وعلى ذاك سخطه؟
_ هل بهكذا وعي ندافع عن الإسلام؟
إن حكمة الله الواسع العليم لن تبلغها حكمة بشرية ولو بلغتها لبلغت بذلك الربوبية، فعن أي حكمة تتحدثون؟ وأنتم المسئولون عن مثقال ذرة تعملوها، أما هو جل شأنه فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
إنه لجدير بكم بدلا من السؤال لماذا الله تقدّس في عليائه قد فعل ذلك أن تسألوا أنفسكم:
1.ماذا ينبغي أن نفعل؟
2.ماهي العبادة الوقتية التي علينا الآن القيام بها؟
3.كيف نظهر لله عز وجل خيرًا من أنفسنا؟
4.كيف نبدي لله العزيز القهار الضعف والافتقار؟
5.كيف نتنافس في إنقاذ من هم تحت الأنقاض فندافع عن قرآننا الكريم بأن نمشي به في الناس ونبين للعالمين رحمة المسلمين،ونعلمهم ما تعلمناه من كتابنا الذي يقول فيه الله عز وجل:”.. مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعًا ..” سورة المائدة الآية 32
وأن قرآننا لا يميز بين من سمعنا صيحاتهم لأيام تحت الأرض وبين من سمعناها لأعوام فوق الأرض، أولئك الذين يعيشون لسنوات لأواء الحروب الساخنة والباردة في سوريا، العراق، اليمن، فلسطين وكأنهم بعيدين عن الأنظار ولا تدركهم الأبصار.
وأن كتابنا العزيز فيه جميع الناس سواء، ولا يسمح بظلم الأقوياء للضعفاء،يقول تبارك وتعالى:”وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ”…سورة سبأ الآية 42
وأن قرآننا لا يدعو إلى سباق التسلح بل إلى سباق التسامح…يقول عز وجل: “ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ” …سورة فصلت الآية 34
وأن قرآننا يدعو إلى التسابق في الخيرات :
قال جلّ وعلا :”أولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ”…سورة المؤمنون الآية61
فلا داع أن تنتفضوا في المظاهرات لأجل حرق القرآن الكريم إن لم تحترق قلوبكم لأجل إخوانكم،فإسلامنا ليس طقوس وثنية بل هو قيم للنهضة ربانية….انتهى درسكم.
بادية شكاط كاتبة في الفكر،السياسة وقضايا الأمة
ممثلة الجزائر في منظمة إعلاميون حول العالم الدولية في النمسا
- بادية شكاط تكتب: احتراق الهُوية في سبيل البحث عن الحرية - الأربعاء _8 _مارس _2023AH 8-3-2023AD
- بادية شكاط تكتب: خطاب أطفال تركيا وسوريا للعالم بعد الزلزال العنيف - الجمعة _10 _فبراير _2023AH 10-2-2023AD
- هل يكفينا لصناعة حضارة العالم الاكتفاء بالمشاركة في كأس العالم؟ - الخميس _15 _ديسمبر _2022AH 15-12-2022AD