يقول فيلسوف الحرية جان بول سارتر في كتابه الوجودية مذهب إنساني: «إن الوجود يعلن صراحة أن الإنسان يحيا في قلق ويكابد القلق» فالإنسان الغربي المعاصر بعد أن تحرر من الحكم الكنسي باتباعه للعلمانية أو ما يدعى بعصر التنوير انتقل إلى محاولة أخرى للتحرر فانتهج الليبرالية ليتوق إلى حارس يحرس كل تلك القفزات التحررية
فتبنى الديمقراطية كطموح يحفظ حقوق الإنسان وحرية التعبير وغيرها وأثناء هذه الجولات التي حاول من خلالها ضرب أمواج الفكر التي تتقاذفه من كل اتجاه لم يعد يفهم إلى أين الاتجاه، فإطلاق الحرية على غاربها مسح جميع معالمها،فلم تعد محددة أمامه بل لم يعد يعنيه أن تتحدد أمامه،لأنه لم يعد يسعى سوى إلى الحرية، ولم يعد يعرف بعدها حدودًا لوجوده،ولم يعد يعرف نطاق وجوده، فوقع في مشكلة أكبر.
واجتهادًا منا في تفكيك مشكلة بسط أجنحة الحرية على إطلاقها دون تحديد لنطاقاتها،رأينا أنه علينا بدايةً أن نحدد التصورات الثلاثة التي اعتقدها الإنسان وهو يبحث عن الحرية:
التصور الأول:
أنه يمكن للإنسان من خلال الحرية أن يبلغ مبلغ الكمال،فوجد نفسه دون وعي منه يؤلّه نفسه ولا يؤمن بمقدّس سوى ذاته،
وهذا ما حصل حين حرق بعض الأفراد القرآن الكريم في عديد من الدول الغربية،
فالأمر أنهم لم يحاولوا حرق القرآن الكريم بل تلك محاولة لحرق المقدّس الذي ينافس قداستهم الإنسانية التي أرادوا تأليهها بدعاوى الحرية.
فلو عرف مثلا من أحرقوا كتاب الله العزيز بأن ديننا الإسلامي يهدي للتي هي أقوم،وجعل الإنسان هو الأكرم لأحرقوا أنفسهم قبل أن يحرقوا الكتاب الذي يدعوهم إلى سلامهم.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً قال: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟
قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»
التصور الثاني:
أن الإنسان تخيل أنه بمقدار ما سوف يسع من حرية بمقدار ما سيسع من سعادة روحية إلى الحد الذي فقد فيه هويته الإنسانية، فانحدر بنفسه من سماوات تأليهها إلى أسافل الحيوانية، ووجد نفسه ينافس الحيوان في شكله ودوره، ولم يحرجه عقله في أن يتشبه بالكلب كما رأيناه في بريطانيا حين تحول الآلاف من البشر إلى كلاب بشرية.
التصور الثالث:محاولة بناء ذوات فردية منفلتة عن المؤسسات السياسية التي حبست الفرد بين حاجاته الاستهلاكية، وقادته بوسائل تخالف مطامحه البشرية مثل الإكراه، القهر، الابتزاز، الاضطهاد، الاستبداد.. وغيرها
ما أوقعه في متاهة بشأن نظام العقد الاجتماعي الذي يمكنه من خلاله بناء أساسات دولة حديثة يمكنها أن لا تنهار على داخلها بفعل صراع الهوية الذي يتضارب مع مطلقات الحرية، وما نجم عنه من إشكالات حول الدولة المدنية والدينية وفكرة الديمقراطية.
ثم ما زاد في انهيار الوعي البشري هذه الفظائع الدموية والحروب العالمية التي لم يعد يرى فيها الفرد لحياته من غاية سوى الموت.
فنحن أمام إشكاليات لا تنتهي للحرية، وجب أن نفكر فيها كمسلمين ونتدبر، ولا نقع في براثن الاستعلاء والفوقية وكأننا نملك ناصية الحقيقة دون جميع البشرية، في حين لا وجه للحق دون وجه للحقيقة.
بادية شكاط
كاتبة في الفكر، السياسة وقضايا الأمة
ممثلة الجزائر في منظمة إعلاميون حول العالم الدولية في النمسا
- بادية شكاط تكتب: احتراق الهُوية في سبيل البحث عن الحرية - الأربعاء _8 _مارس _2023AH 8-3-2023AD
- بادية شكاط تكتب: خطاب أطفال تركيا وسوريا للعالم بعد الزلزال العنيف - الجمعة _10 _فبراير _2023AH 10-2-2023AD
- هل يكفينا لصناعة حضارة العالم الاكتفاء بالمشاركة في كأس العالم؟ - الخميس _15 _ديسمبر _2022AH 15-12-2022AD