تمر مصر بأزمة اقتصادية طاحنة أثرت بشكل كبير على ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وهوت بقيمة الجنيه بنسبة تجاوزت 50% خلال الـ10 أشهر الماضية، عقب قرار تعويم الجنيه، الذي اشترطته بعثة صندوق النقد الدولي قبل حصول مصر على قرض قيمته 3 مليارات دولار.
«جريدة الأمة الإلكترونية» حاورت الصحفي والباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى مراد، لمعرفة أسباب التضخم وتراجع القدرة الشرائية للجنيه المصري، وقدرات الحكومة على معالجتها وتخفيف معاناة المصريين الذين بات أغلبهم تحت خط الفقر، نتيجة القرارات الخاطئة التي اتخذتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، وإلى نص الحوار:-
♦ بداية.. كيف ترى الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن تعويم الجنيه؟
في الحقيقة قرار تعويم الجنيه أثر بشكل كبير على الدين العام المصري كونه ساهم بشكل كبير في ارتفاع مديونية الحكومة بنفس قيمة خفض العملة المحلية، وهناك تصريح لوزير المالية محمد معيط قال خلاله إن أي خفض في سعر الصرف سيقابله عجز في قيمة الموازنة بثلاثة أضعاف.. أيضا مصر دولة مستوردة ولذلك هناك زيادة كبيرة في الأسعار يقابلها انخفاض كبير في القوى الشرائية للجنيه وهذه المسألة تجعل رب الأسرة عاجزًا عن تلبية احتياجات أسرته.
♦ وهل يمثل استمرار الاقتراض الدولي تهديدا للاقتصاد والأمن الاجتماعي في مصر؟
مصر دولة ملتزمة في مسألة سداد الديون إلى حد كبير، لكن في ظل وجود أزمات اقتصادية كبرى ومع عدم وضع حد لسقف الاقتراض الخارجي البالغ حاليا قرابة 160 مليار دولار، هناك مخاوف على الأجيال القادمة بشكل كبير، خاصة وأن فوائد الدين باتت تمثل عبء كبير كونها تضيف إليه ثلث إجمالي أصول القروض.. أتذكر أنه في عهد مبارك كان هناك سقف للحكومة في مسألة الاقتراض نسبته 35% أما الآن لا يوجد ذلك.. أيضًا هناك مشكلة في مصادر توفير العملة الصعبة في مصر خاصة في ظل فشل قطاع السياحة وهروب الاستثمارات الأجنبية وتراجع تحويلات المصريين في الخارج، وكل هذه العوامل لا شك تضغط بشكل كبير على الأمن الاجتماعي في مصر.
♦ كيف تخفف الحكومة الآثار السلبية الناجمة عن الاقتراض؟
الحكومة بدأت بالفعل في تخفيف الآثار السلبية الناجمة عن الاقتراض عن طريق التنوع في الديون الخارجية، وإصدار سندات باليوان الصيني، واتجهت أيضا نحو السوق الأسيوي لتخفيف العبء على الدولار، وبدأت في مد أجل القروض لأطول فترة ممكنة وصلت في بعض الأوقات إلى 30 سنة لخفض قيمة الفائدة.
♦ هناك أزمة حادة في تغطية تكاليف الواردات الأساسية من السلع.. كيف تواجه الحكومة ذلك؟
مصر تستورد سلع بما يعادل 80 مليار دولار سنويا، وهناك فجوة تقترب من 30 مليار دولار في ميزان المدفوعات (الفرق بين الصادرات والواردات) ولذلك تعمل الحكومة حاليا على الإصلاح الهيكلي لثلاث قطاعات (الزراعة، الطاقة، التكنولوجيا) لتقليل وارداتها والبدء في عملية التصدير لكن هذه المسألة ستحتاج لسنوات لوجود أزمة في التمويل.
♦ وإلى أي مدى ستحمى الدولة الطبقة المتوسطة والفقيرة من الارتفاع الباهظ في الأسعار؟
الارتفاع الباهظ للأسعار أدى لتآكل الطبقة المتوسطة في مصر وأصبحت الأغلبية تحت خط الفقر، لكن هناك برامج حماية للطبقة الفقيرة عادة ما تعلن عنها الحكومة مثل «تكافل وكرامة» و«حياة كريمة» و«الدعم التمويني» و«معارض أهلا رمضان» فضلا عن زيادة المعاشات بمبلغ 300 جنيه تقريبا، لكن هذه البرامج يحميها الاقتصاد غير الرسمي في مصر.
♦ ما تقييمك للسياسات الاقتصادية المتبعة في مصر؟
السياسات الاقتصادية في مصر الآن أصبحت مراقبة من قبل صندوق النقد الدولي،
ولذلك هناك تعليمات للحكومة بإعادة هيكلة الاقتصاد ووقف مشاريع البنية التحتية التي لم يبدأ العمل فيها،
والتوجه نحو المشاريع الإنتاجية، كما قرر البنك المركزي وقف تمويل أية مشروعات جديدة لتقليل الفاقد في الأموال، ونتمنى أن تسهم هذه القرارات في النهوض بالاقتصاد.
♦ لماذا تراجع الدعم المالي الخليجي المباشر لمصر؟
الأزمة العالمية الأخيرة غيرت من فكر دول الخليج، ولذلك هناك توجه لشراء أصول وشركات مصرية بمليارات الدولارات مثل «أبو قير للأسمدة» تحقق أرباح كبيرة، أما فكرة الودائع فباتت مرفوضة بالنسبة لهم شكلا وموضوعا.
♦ من المسئول عن تردي الأوضاع الاقتصادية في مصر؟ السياسات الداخلية أم العوامل الخارجية؟
هناك أكثر من عامل أثر بالسلب على الاقتصاد أبرزها توجه الدولة نحو مشاريع البنية التحتية
مع تجاهل المشاريع الإنتاجية والصناعية، فضلًا عن أزمة كورونا التي أحدثت حالة من الشلل العام للاقتصاد العالمي.
♦ بعد تعويم الجنية.. هل قضت الحكومة على السوق السوداء للدولار؟
إلى حد كبير ساهمت الحكومة في تقليل الفجوة بين سعر الدولار في السوق السوداء والسعر الرسمي داخل البنوك،
لكن طالما ترفض الحكومة منح المستوردين للعملية الصعبة لا يمكن القضاء نهائيا على السوق السوداء.
♦ كيف تستفيد مصر من قرار ربط الجنيه المصري بالروبل الروسي؟
حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا حوالي 4.7 مليار دولار تقريبا،
وإذا نجحت مصر في إبرام الاتفاقيات التجارية بالروبل سيساهم هذا الأمر في تقليل الضغط على الدولار،
لكن عدم التكافؤ الاقتصادي بين حجم الصادرات والواردات ربما يقف عائقا في هذا الإطار.
♦ هل يستطيع القطاع الخاص قيادة عملية التنمية مثلما أوصى صندوق النقد؟ ومتى تستجيب الحكومة؟
بالفعل القطاع الخاص قادر على قيادة عملية التنمية في مصر تحت إشراف الحكومة لمنع عمليات الاحتكار،
والحكومة المصرية استجابت لتوصيات صندوق النقد الخاصة بالسماح للقطاع الخاص بقيادة عملية التنمية،
وستعلن خلال الفترة القليلة المقبلة عن طرح عدد كبير من الشركات في البورصة لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي.
♦ ختاما.. ضع روشتة علاج للأزمة الاقتصادية في مصر
أولا تقليل عملية الاستيراد من الخارج،
ثانيا استقرار سعر الصرف عن طريق توفير الدولار ودعم المصادر الدولارية المختلفة،
ثالثا تشجيع الاستثمار الأجنبي والمحلي خاصة في مجالي الزراعة والصناعة، والبدء في إقامة مدن صناعية تنهض بعجلة الإنتاج.
